للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظاهر الأمانة، غير مُغَفَّل، وقيل: صفاء السريرة، واستقامة السِّيرة في ظن المعدل، والمعنى متقارب.

قال: لما كانت الشهادة ولاية عظيمة، ومرتبة منيفة، وهي قبول قول الغير على الغير، شرط تعالى فيها الرضا والعدالة، فمن حُكم الشاهد أن تكون له شمائل ينفرد بها، وفضائل يتحلى بها، حتى تكون له مزية على غيره، توجب له تلك المزية رتبة الاختصاص بقبول قوله، ويحكم بشغل ذمة المطلوب بشهادته، وهذا أدل دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات، عند علمائنا على ما خفي من المعاني والأحكام. قال: وفيه ما يدل على تفويض الأمر إلى اجتهاد الحكام، فربما تفرس بالشاهد غفلة، أو ريبة فيرد شهادته لذلك. قال: وقال أبو حنيفة: يُكتَفَى بظاهر الإسلام في الأموال دون الحدود، وهذه مناقضة تسقط كلامه، وتفسد عليه مرماه؛ لأننا نقول: حَقٌّ من الحقوق، فلا يكتفى في الشهادة عليه بظاهر الدين كالحدود، قاله ابن العربي. انتهى المقصود من كلام القرطبيّ (١). وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[(المسألة الثالثة): في قوله: "والخبر وإن فارق الخ"]

قال القاضي عياض رحمه اللهُ تعالى في "شرحه" لهذا الكتاب: وقول مسلم رحمه اللهُ تعالى: "والخبر، وإن فارق معناه معنى الشهادة الخ": ما أحسن قول مسلم هذا، وأبينه في الدلالة على كثرة علمه، وقوّة فقهه، فاعلم أن الشهادة والخبر يجتمعان عندنا في خمسة أحوال، ويفترقان في خمسة أحوال.

فالخمسة الجامعة لها: العقل، والبلوغ، والإسلام، والعدالة، وضبط الخبر، أو الشهادة حين السماع والأداء، فمتى اختلّ وصف من هذه الأوصاف في أحد لم يقبل خبره، ولا شهادته.

وأما الخمسة التي يفترقان فيها، فالحرّية، والذكورة، والعدد، ومراعاة الأهلية، والعداوة. انتهى كلام القاضي رحمه اللهُ تعالى (٢).

وقال النوويّ رحَمَه اللهُ تعالى في "شرحه": ١/ ٦١:

اعلم: أن الخبر والشهادة يشتركان في أوصاف، ويفترقان في أوصاف، فيشتركان


(١) انظر "الجامع لأحكام القرآن" ٣/ ٣٩٥ - ٣٩٦.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>