للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلم. انتهى كلام أبي عمرو رحمهُ اللهُ تعالى (١). وهو بحثٌ نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[المسألة الحادية عشرة: في ذكر إلزامات الحافظ الدارقطني للشيخين رحمهم الله تعالى]

قال الشيخ أبو عمرو رحمهُ اللهُ تعالى: ألزم أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني مسلما والبخاري -رضي الله عنهم- إخراج أحاديث تركا إخراجها، مع أن أسانيدها أسانيد قد أخرجا في "صحيحيهما" بمثلها.

مثاله: إخراج البخاري حديث قيس بن أبي حازم، عن مرداس بن مالك الأسلمي، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يذهب الصالحون الأول فالأول ... ". وإخراج مسلم حديث قيس أيضًا، عن عَدِيّ بن عَمِيرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من استعملناه على عمل ... " الحديث. ولم يرو عن مرداس، وعَدِي بن عَمِيرة غير قيس بن أبي حازم، وكذلك لم يرو عن الصُّنَابِح بن الأَعْسَر، ودُكَين بن سعيد الْمُزَنِيّ، وأبي حازم والد قيس غير قيس. قال الدارقطني: فيلزم على مذهبهما جميعًا إخراج أحاديث الصُّنابح، ودُكين، وأبي حازم والد قيس، إذا كانت مشهورة محفوظة، رواها جماعة من الثقات. وذكر أيضًا أن رجالا من الصحابة -رضي الله عنهم-، رووا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد رُويت أحاديثهم من وجوه صحاح، لا مَطْعَن في ناقليها، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئا، فيلزم إخراجها على مذهبهما.

قال أبو عمرو: وذكر الحافظ أبو بكر البيهقي رحمهُ اللهُ، فيما قرأته بخطه، فيما جمعه من العوالي الصحاح، مما اتفق الشيخان على إخراجه، من صحيفة همام بن منبه، عن أبي هريرة، وما تفرد به منها كل واحد منهما عن صاحبه، هذا مع أن الإسناد واحد.

ثم إن ما ألزمهما الدارقطني غير لازم لهما، فإنهما تجنبا التطويل، ولم يضعا كتابيهما على أن يستوعبا جميع الأحاديث الصحاح، واعترفا بأنهما تركا بعض الصحاح، رَوَينا ذلك عنهما صريحا.

نعم إذا كان الحديث الذي تركاه، أو أحدهما، مع صحة إسناده أصلًا في معناه عُمدة في بابه، ولم يخرجا له نظيرًا، فذلك لا يكون إلا لعلة فيه خَفِيت، واطلعا عليها، أو التارك له منهما، أو لغفلة عرضت. انتهى كلام أبي عمرو رحمهُ اللهُ تعالى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "إلا لعلة الخ" هذه دعوى بلا بيّنة؛ لأنه لم


(١) "صيانة صحيح مسلم" ص ٩٤ - ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>