للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد روى الخليليّ في "الإرشاد" بسنده عن إبراهيم بن مَعْقِل قال: سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتاب "الجامع" إلا ما صح، وقد تركت من الصحاح -قال: يعني خوفا من التطويل.

فالناس -يرحمك الله- تبع لهذا الإمام الكبير المتفق عليه بلا مدافعة، وإنما اقتداؤك به، واقتباسك من أنواره، وأنت وارث علمه، وحائز الْخَصْل بعده، وأما الناس بَعْدَكما فتبع لكما.

وإن خَرّج هذا الحديث الذي خَرّجت أنت، أو أمثاله مَنْ يَلتزم الصحيح مثلك، قلنا: لم يُراع هذا الاحتمال، أو عَلِم السماع أو اللقاء فيه. والله أعلم. انتهى كلام ابن رُشيدر رَحِمَهُ اللهُ تعالى باختصار (١).

قال الجامع عفا الله تعالى: حاصل ما تعقّب به ابن رُشيد كلام المصنّف رحمهما الله تعالى أنه أتى احتجاجًا على خصمه بما لا يكون حجة، وذلك أنه مثّل بعنعنة صحابيّ عن صحابي، وهذا مما لا نزاع فيه، فإن الصحابة كلهم عدولٌ بإجماع من يُعتَدّ بإجماعه، فلو قُدّر إرسال بعضهم عن بعض لم يضرّ ذلك، ولا يكون قادحًا؛ إذ مراسيلهم مقبولة عند جمهور أهل العلم؛ لما ذكرناه، وعلى فرض احتمال كون الصحابيّ يرويه عن تابعيّ، عن صحابي، فلا يضرّ أيضًا؛ لندور ذلك، والحكم إنما يُبنى على الغالب، هذا من حيث العموم، وأما من حيث الخصوصُ، فإن المثال الذي ذكره، وهو كونه لم يطّلع على ثبوت سماع عبد الله بن يزيد من أبي مسعود، غير صحيح، فقد ثبت سماعه عند البخاريّ في "صحيحه".

والحاصل أنه لا يتمّ للمصنّف احتجاجه على خصمه بالمثال الذي ذكره؛ لما سبق آنفًا، فتأمله بإنصاف. والله تعالى أعلم.

إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(فَمِنْ ذَلِكَ) أي فمن أمثلة ما رواه بعض المتعاصرين من بعض، دون ثبوت لقاء وسماع (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّ) هو: عبد الله بن يزيد بن زيد بن حُصين بن عمرو بن الحارث بن خَطْمة، واسمه عبد الله بن جُشَم بن مالك الأوسي الأنصاريّ، أبو موسى الْخَطْمي، شَهِد الحديبية، وهو صغير، وشهد الْجَمَل وصفِّين مع علي، وكان أميرًا على الكوفة، روى عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وعن أبي أيوب، وأبي مسعود، وقيس بن سعد ابن عبادة، وحذيفة، وزيد بن ثابت، والبراء بن عازب، وغيرهم، وعن كتاب عمر بن الخطاب.


(١) راجع "السنن الأبين" ص ١٢٥ - ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>