للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى أهل العلم صحتها (مِمَّنْ يَهِنُ) أي يَضْعُفُ، وهو بفتح أولّه، وكسر ثانيه، مضارع وَهَن، كوعد يعد، وأصله يَوْهِنُ، حذفت الواو؛ استثقالًا؛ لوقوعها بين الياء والكسرة، ويتعدّى ويلزم على لغة، والأجود أن يتعدّى بالهمزة، فيقال: أوهنه. ووَهِنَ يَهِن بالكسر فيهما لغة، وبها قرأ بعضهم قوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَا وَهَنُوا} الآية [آل عمران: ١٤٦]. أفاده الفيّوميّ (بِزَعْمِ هَذَا الْقَائِلِ) متعلّق بما قبله (وَنُحْصِيهَا) بضم أوله، من الإحصاء رباعيّا. وقوله: (لَعَجَزْنَا) جواب "لو"، واقتران جوابها باللام إذا كان مثبتًا هو الغالب، ويجوز حذفها، فتقول: لو قام زيد قام عمرو (عَنْ تَقَصِّي ذِكْرِهَا) أي المبالغة فيه، يقال: تقصّى الأمر، واستقصاه: إذا بلغ غايته. أفاده المرتضى في "شرح القاموس". وعطف قوله (وَإِحْصَائِهَا) على ما قبله من باب التوكيد (كُلِّهَا) بالجرّ تأكيد للضمير المجرور (وَلَكِنَّا أَحْبَبْنَا أَنْ نَنْصِبَ) أي نجعل علامةً، يقال: نصبتُ الحجر: إذا رفعته علامةً (مِنْهَا عَدَدًا) أي معدودًا من الأخبار الصحاح (يَكُونُ سِمَةً) بكسر السين المهملة، وفتح الميم: أي علامة، وأصله وسم، فحذفت الواو، وعُوّض عنها الهاء في الآخر، واجتُلبت همزة الوصل توصّلًا للنطق بالساكن (لِمَا سَكَتْنَا عَنْهُ مِنْهَا) الضمير الأول عائد إلى الموصول، والثاني للأخبار الصحاح. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

ثم شرع يذكر تلك الأخبار الصحاح التي أراد أن ينصب عددًا منها علامة على غيرها، فقال:

(وَهَذَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ، وَهُمَا مِمَّنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَصَحِبَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، مِنَ الْبَدْرِيِّينَ هَلُمَّ جَرًّا، وَنَقَلَا عَنْهُمُ الْأَخْبَارَ، حَتَّى نَزَلَا إِلَى مِثْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَذَوِيهِمَا، قَدْ أَسْنَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثًا، وَلَمْ نَسْمَعْ فِي رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا أَنَّهُمَا عَايَنَا أُبَيًّا، أَوْ سَمِعَا مِنْهُ شَيْئًا).

إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

بيّن رَحِمَهُ اللهُ تعالى ما أراده من إلزام خصمه -حسب زعمه- بما ضربه من المثال، حيث ذكر أن أبا عثمان النهدّي، وأبا رافع الصائغ، وهما ممن أدرك الجاهليّة، وصحبا أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من البدريين، فمن بعدهم، ورويا عنهم، إلى أن نزلا إلى من تأخر من الصحابة -رضي الله عنهم- لتأخر إسلامه، كأبي هريرة -رضي الله عنه- أو لصغر سنه كابن عمر رضي الله عنهما، وأمثالهما، قد رويا عن أبيّ بن كعب -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حديثًا بالعنعنة، وقد صححه أهل العلم بالحديث، مع أنه لم يثبت لدينا سماعهما، ولا رؤيتهما لأبيّ بن كعبّ -رضي الله عنه-. هذا خلاصة معنى كلامه رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وستأتي مناقشته في ذلك -إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>