وَقَالُوا: الْجَائِفَةُ تَخْتَصُّ بِالْجَوْفِ: جَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ جَوْفِ الْبَطْنِ، وَتَفْسِيرُ حُكُومَةِ الْعَدْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يُقَوَّمَ مَمْلُوكًا بِدُونِ هَذَا الْأَثَرِ وَيُقَوَّمُ وَبِهِ هَذَا الْأَثَرُ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرِ فَرُبْعُ عُشْرٍ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ، لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. . فَصْلٌ
قَالَ (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا، فَكَانَ فِي الْخَمْسِ نِصْفُ الدِّيَةِ
فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ إشْكَالٌ عِنْدِي لِأَنَّ اللَّحْيَيْنِ إذَا كَانَا مِنْ الْوَجْهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَانَا دَاخِلَيْنِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ فَيَكُونُ تَرْكُ وُجُوبِ غَسْلِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ نَسْخًا لِلْكِتَابِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْسَخُ الْكِتَابَ وَلَا السُّنَّةَ (قَوْلُهُ وَقَالُوا: الْجَائِفَةُ تَخْتَصُّ بِالْجَوْفِ جَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ جَوْفِ الْبَطْنِ) أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْجَائِفَةَ إنْ تَنَاوَلَتْ مَا فِي جَوْفِ الرَّأْسِ أَيْضًا فَاَلَّتِي فِي جَوْفِ الرَّأْسِ مِنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الْعَشَرَةِ لِلشِّجَاجِ فَمَا مَعْنَى ذِكْرِهَا وَبَيَانُ حُكْمِهَا بَعْدَ ذِكْرِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ بِأَسْرِهَا وَبَيَانُ حُكْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ بَلْ كَانَتْ مُغَايِرَةً لَهَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ الشِّجَاجُ عَشْرَةٌ، إذْ تَكُونُ الشِّجَاجُ حِينَئِذٍ إحْدَى عَشْرَةَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هِيَ إحْدَى تِلْكَ الْأَنْوَاعِ وَهُوَ الْآمَّةُ بِدَلَالَةِ كَوْنِ حُكْمِهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَذَكَرَهَا مَعَ حُكْمِهَا بَعْدَ ذِكْرِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ مَعَ أَحْكَامِهَا لِبَيَانِ حَالِ قِسْمِهَا الَّذِي فِي جَوْفِ الْبَطْنِ لَا لِبَيَانِ حَالِ قِسْمِهَا الَّذِي فِي جَوْفِ الرَّأْسِ لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ لَا يَخْفَى.
(فَصْلٌ فِي الْأَطْرَافِ دُونَ الرَّأْسِ) لَمَّا كَانَتْ الْأَطْرَافُ دُونَ الرَّأْسِ وَلَهَا حُكْمٌ عَلَى حِدَةٍ ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى النَّاظِرِ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي الْأَطْرَافِ، بَلْ بَعْضُهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَطْرَافِ وَبَعْضُهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالشِّجَاجِ، وَبَعْضُهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقَتْلِ، فَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي بَعْضٍ مِنْهَا دُونَ الْكُلِّ، فَالْأَوْجَهُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَتْ مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً وَلِهَذَا كَانَتْ كُلُّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ كَمَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهَا عَنْ الْفَصْلَيْنِ الْمَارَّيْنِ جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ جَمْعِ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَتَأْخِيرِهَا عَنْ سَائِرِ الْفُصُولِ تَلَافِيًا لِمَا فَاتَ فِيهَا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهَا مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ أَيْضًا اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ النَّاظِرِينَ (قَوْلُهُ وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) أَيْ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، إذْ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا مَرَّ.
أَقُولُ: لِقَائِلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute