للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتَ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ (فَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ فَفِيهِ أَيْضًا نِصْفُ الدِّيَةِ) لِقَوْلِهِ «وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَلِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا (وَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ فَفِي الْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الزِّيَادَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْهُ: أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَهُوَ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ وَإِلَى الْفَخِذِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ فِي الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَالْيَدُ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ فَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْيَدَ آلَةٌ بَاطِشَةٌ وَالْبَطْشُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ دُونَ الذِّرَاعِ فَلَمْ يُجْعَلْ الذِّرَاعُ تَبَعًا فِي حَقِّ التَّضْمِينِ. وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا عُضْوًا كَامِلًا، وَلَا إلَى أَنْ

أَنْ يَقُولَ: لِمَا ذُكِرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ فِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ عُشْرُ الدِّيَةِ كَانَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَا هُنَا مُسْتَدْرِكًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ خَمْسَةَ أَعْشَارِ الدِّيَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَعُلِمَ قَطْعًا مِمَّا مَرَّ أَنَّ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ وَهِيَ خُمْسُ أَصَابِعِ نِصْفِ الدِّيَةِ،.

وَلَوْ لَمْ يَكْفِ الِاسْتِلْزَامُ وَالِاقْتِضَاءُ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِمَسْأَلَةٍ بَلْ كَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهَا لَلَزِمَ أَنْ يَذْكُرَ أَيْضًا أَنَّ فِي الْإِصْبَعَيْنِ عُشْرَيْ الدِّيَةِ وَفِي ثَلَاثِ أَصَابِعَ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ وَفِي أَرْبَعِ أَصَابِعَ أَرْبَعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَتْرُوكِ ذِكْرُهَا صَرَاحَةً فِي الْكِتَابِ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا لَيْسَ لِبَيَانِ نَفْسِهَا أَصَالَةً حَتَّى يُتَوَهَّمَ الِاسْتِدْرَاكُ، بَلْ لِيَكُونَ ذِكْرُهَا تَوْطِئَةً لِلْمَسْأَلَةِ الْمُعَاقِبَةِ إيَّاهَا وَهِيَ قَوْلُهُ فَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ فَفِيهِ أَيْضًا نِصْفُ الدِّيَةِ، فَالْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ هُنَا أَنَّ قَطْعَ الْأَصَابِعِ وَحْدَهَا وَقَطْعَهَا مَعَ الْكَفِّ سِيَّانِ فِي الْحُكْمِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَفِي أَصَابِعِ يَدٍ بِلَا كَفٍّ وَمَعَهَا نِصْفُ الدِّيَةِ.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتُ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ).

يَعْنِي أَنَّ قَطْعَ كُلِّهَا تَفْوِيتُ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ يُوجِبُ الدِّيَةَ الْكَامِلَةَ عَلَى مَا مَرَّ، فَفِي تَفْوِيتِ نِصْفِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ اللَّازِمِ مِنْ قَطْعِ أَصَابِعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ لَا مَحَالَةَ. ثُمَّ إنَّ جُمْهُورَ الشُّرَّاحِ قَالُوا: قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشْرَةٌ فَتُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا.

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مَا مَرَّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لَا بِمَا قَبْلَهُ، وَإِلَّا لَكَانَ حَقُّ قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْ قَوْلِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لَمْ يَتِمَّ أَنْ يُشَارَ بِهِ إلَى مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ، إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَعَرُّضٌ لِمَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلدِّيَةِ حَتَّى يُشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ هُنَا: قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ: أَيْ الْمُوجِبُ لِلدِّيَةِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَفْوِيتُ صُورَةِ الْآلَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ اهـ.

أَقُولُ: هَذَا أَبْعَدُ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ. لِأَنَّ بَيَانَ كَوْنِ الْمُوجِبِ لِلدِّيَةِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَفْوِيتَ صُورَةِ الْآلَةِ مِمَّا لَا فَائِدَةَ لَهُ أَصْلًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ فِيهِ قَطْعُ أَصَابِعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتُ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ دُونَ مُجَرَّدِ إزَالَةِ مَنْفَعَتِهَا بِدُونِ الْقَطْعِ حَتَّى يُتَصَوَّرَ كَوْنُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا عَلَى مَا مَرَّ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قُبَيْلَ فَصْلِ الشِّجَاجِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَفْوِيتُ الصُّورَةِ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ،

بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ، فَإِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ فِيمَنْ ضَرَبَ عُضْوًا فَأَذْهَبَ مَنْفَعَتَهُ بِدُونِ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَلِبَيَانِ كَوْنِ الْمُوجِبِ لِلدِّيَةِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَفْوِيتَ الصُّورَةِ تَأْثِيرٌ تَامٌّ وَفَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ هُنَاكَ. ثُمَّ أَقُولُ: الْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مَا مَرَّ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِإِتْلَافِهِ النَّفْسَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ. اهـ.

فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي الْأَطْرَافِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ إزَالَةُ الْجَمَالِ الْمَقْصُودِ فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ فَيُنَاسِبُ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْيَدَ آلَةٌ بَاطِشَةٌ وَالْبَطْشَ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ وَالْأَصَابِعَ دُونَ الذِّرَاعِ).

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>