. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُلْزِمَ الْآمِرَ عِنْدَهُ عَشَرَةً بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ تَثْبُتُ ضِمْنًا لِلْعِشْرِينِ لَا قَصْدًا وَقَدْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةٍ قَصْدًا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ عِنْدَهُ الْوَاحِدَةُ لِثُبُوتِهَا فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ، وَالْمُتَضَمَّنُ لَمْ يَثْبُتْ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ. قُلْنَا: ذَاكَ مُسَلَّمٌ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُتَضَمَّنَ لَمْ يَثْبُتْ هُنَاكَ لَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ بِهِ، وَلَا مِنْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ امْرَأَةُ الْمُوَكِّلِ لَا امْرَأَةُ الْوَكِيلِ، وَأَمَّا هُنَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ الشِّرَاءُ مِنْ الْمُوَكِّلِ ثَبَتَ مِنْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ كَمَا فِي سَائِرِ الصُّوَرِ الَّتِي خَالَفَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَلَمَّا ثَبَتَ الْمُتَضَمَّنُ وَهُوَ الْعِشْرُونَ ثَبَتَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ، وَإِلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ خَالَفَ الْمُوَكِّلَ حَيْثُ اشْتَرَى الْعَشَرَةَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ فَيَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَحِينَئِذٍ كَانَ الْكُلُّ مَقْصُودًا فَلَا يَتَحَقَّقُ الضِّمْنُ فِي الشِّرَاءِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ مَوْلَانَا حَمِيدِ الدِّينِ.
أَقُولُ: الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَتَوَزَّعُ إلَخْ وَاضِحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ فَمُشْكِلٌ لَا يُعْقَلُ إذَا بَعُدَ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّ الشِّرَاءَ فِي الْمُتَضَمَّنِ وَهُوَ الْعِشْرُونَ يَثْبُتُ مِنْ الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَا فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ يَثْبُتُ مِنْ الْمُوَكِّل، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ مَا فِي ضِمْنِ الشَّيْءِ يَتْبَعُ حُكْمَ ذَلِكَ الشَّيْءِ دَائِمًا، فَثُبُوتُ شِرَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ الْوَكِيلِ نَفْسِهِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ شِرَاءِ الْعَشَرَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِهِ مِنْهُ أَيْضًا، فَلَا وَجْهَ لِنَفَاذِ شِرَاءِ الْعِشْرِينَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَنَفَاذِ شِرَاءِ الْعَشَرَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ مُحَالًا إلَى الْمُنْتَقَى، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشَرَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي عَشَرَةَ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُنَا أَيْضًا حَصَلَ مَقْصُودُ الْآمِرِ وَزَادَهُ خَيْرًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ مَا اشْتَرَاهُ عَلَى الْآمِرِ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا فَكَيْفَ نَفَذَ هَاهُنَا شِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّحْمَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ.
وَالْأَصْلُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَهِيَ لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْقِيمَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَصِفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَلَامُنَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ اللَّحْمُ مِمَّا يُبَاعُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ فَحِينَئِذٍ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُوَكِّلِ: أَيَّ عَشَرَةٍ شَاءَ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَالثَّوْبَانِ وَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقِيمَةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَذَلِكَ لَا يُعَيِّنُ حَقَّ الْمُوَكِّلِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ مَجْهُولًا فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي التَّتِمَّةِ فَقَالَ: لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أُعْطِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute