فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَى الثَّانِي وَهُوَ غَائِبٌ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ. وَلَوْ اشْتَرَى الثَّانِيَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا.
عَلَى الْوَكِيلِ لَا عَلَى الْمُوَكِّلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي الْمَهْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُوَكَّلَ بِهِ نِكَاحٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَ النِّكَاحَ إلَى مُوَكِّلِهِ فَيَقُولُ زَوَّجْتُك لِفُلَانٍ، وَالْمَوْجُودُ فِيمَا إذَا نَكَحَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّ النِّكَاحَ مِنْ نَفْسِهِ هُوَ أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُك فَكَانَتْ الْمُخَالَفَةُ مَوْجُودَةٌ فَوَقَعَ عَلَى الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْمُوَكَّلَ بِهِ هُنَا شِرَاءٌ مُطْلَقٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا شِرَاءٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا أَتَى بِذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ.
(فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى) يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنِ مُسَمَّى (فَاشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِهِ) أَيْ بِخِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى بِأَنْ سَمَّى دَرَاهِمَ مَثَلًا فَاشْتَرَى بِدَنَانِيرَ (أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ (أَوْ وَكَّلَ) أَيْ الْوَكِيلُ (وَكِيلًا بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَى الثَّانِي) أَيْ فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ الثَّانِي وَهُوَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ (وَهُوَ غَائِبٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَكِيلَ الْأَوَّلَ غَائِبٌ (يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ) أَيْ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي إنَّمَا لَا يَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ: أَمَّا إذَا وُجِدَ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ (خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ) وَهُوَ الْمُوَكِّلُ. أَمَّا إذَا اشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِ مَا سَمَّى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ فَلِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ نَقْدُ الْبَلَدِ فَالْأَمْرُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَاءٍ فَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُحْضِرَ رَأْيَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ حَالَ غَيْبَتِهِ (فَنَفَذَ) أَيْ الشِّرَاءُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (وَلَوْ اشْتَرَى الثَّانِي) أَيْ الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ نَفَذَ) أَيْ الشِّرَاءُ (عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ) أَيْ رَأْيُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا) أَيْ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا لِأَمْرِ آمِرِهِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ حَاضِرًا يَصِيرُ كَأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ.
أَلَا يَرَى أَنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ بِحَضْرَتِهَا جَازَ؟ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي بَاشَرَتْ الْعَقْدَ وَكَانَ الْأَبُ مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ شَاهِدَيْنِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ فَبَلَغَ الْوَكِيلُ فَأَجَازَهُ يَجُوزُ، وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؟ فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ الثَّانِي لَا يَقَعُ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، وَالرِّوَايَةُ فِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ الْوَكَالَةِ فِي التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُتَعَذَّرٌ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَى الْوَكِيلِ، وَتَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَى الْوَكِيلِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِمَا إذَا انْفَرَدَا عَنْ مَالٍ إلَى الرَّأْيِ فَجَعَلْنَا الْوَكَالَةَ فِيهِمَا مَجَازًا عَنْ الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَالرَّسُولُ يَنْقُلُ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ، فَصَارَ الْمَأْمُورُ فِيهِمَا مَأْمُورًا بِنَقْلِ عِبَارَةِ الْآمِرِ لَا بِشَيْءٍ آخَرَ، وَتَوْكِيلُ الْآخَرِ أَوْ الْإِجَازَةُ لَيْسَ مِنْ النَّقْلِ فِي شَيْءٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ الْوَكِيلُ. وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِمَا فَالْعَمَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute