وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً
بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ لِلْعَاقِدِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْكُمُ النَّقْدُ أَيْضًا، وَخِلَافًا فَإِنَّهُ إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِهِ وَتَوَافَقَا عَلَى عَدَمِ النِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا، فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ لِلْعَاقِدِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْكُمُ النَّقْدُ، بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ فَإِنَّهُ لَا تَفْصِيلَ وَلَا خِلَافَ فِيهَا، فَكَانَ حَمْلُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ عَلَيْهَا أَوْلَى.
ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ لَنَا بَحْثٌ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا، وَهُوَ أَنَّ فِيهِ إخْلَالًا بِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ صُورَةَ إنْ أَضَافَ الْعَقْدُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ وَتَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ لَا تَكُونُ دَاخِلَةً حِينَئِذٍ فِي شَيْءٍ مِنْ قِسْمَيْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِلْوَكِيلِ أَلْبَتَّةَ بِمُوجِبِ مَا بَقِيَ فِي الْكَلَامِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّهُ يَحْكُمُ النَّقْدُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ. فَفِيمَا نَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ يَصِيرُ الْعَقْدُ لَهُ قَطْعًا، وَإِنَّ صُورَةَ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ وَتَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ لَا تَكُونُ دَاخِلَةً أَيْضًا حِينَئِذٍ فِي شَيْءٍ مِنْ قِسْمَيْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ فِيهَا أَيْضًا لِلْوَكِيلِ بِمُوجِبِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا كَمَا سَيَأْتِي، فَيَلْزَمُ حَمْلُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ عَلَى مَا فِيهِ الْخِلَافُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ الْمُصَنِّفُ.
وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ هَرَبَ الْمُصَنِّفُ فِي حَلِّ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ هَاهُنَا عَنْ وَرْطَةٍ وَوَقَعَ فِي وَرْطَةٍ أُخْرَى مِثْلِ الْأُولَى بَلْ أَشَدَّ مِنْهَا فَمَا الْفَائِدَةُ فِيهِ؟ وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَفَطَّنَ لِذَلِكَ حَيْثُ زَادَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ أَوْ يَنْقُدَ مِنْ مَالِهِ، وَقَالَ: فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ إلَى آخِرِهِ (وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ) أَيْ إنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ (كَانَ) أَيْ الْعَقْدُ (لِنَفْسِهِ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (حَمْلًا لِحَالِهِ) أَيْ حَالِ الْوَكِيلِ (عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ لِلْآمِرِ لَكَانَ وَاقِعًا لِلْوَكِيلِ، فَلَوْ وَقَعَ لَهُ كَانَ غَاصِبًا لِدَرَاهِمِ الْآمِرِ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ شَرْعًا. كَذَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْآمِرِ، وَأَمَّا إذَا أَضَافَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ وَلَكِنْ لَمْ يَنْقُدْ مِنْ دَرَاهِمِهِ بَلْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْغَصْبُ قَطْعًا. وَجَوَابُ مَسْأَلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ مُتَّحِدٍ فِي الصُّورَتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَنُقِلَ عَنْهَا فِي النِّهَايَةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ (أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا وَتَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ: يَعْنِي أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ يَقَعُ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ فَلَمَّا أَضَافَ الْعَقْدَ هَاهُنَا إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ وَقَعَ لَهُ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ.
قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ بَعْدَ أَنْ جَرَى فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ: وَهِيَ تَوْزِيعُ التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيلَانِ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَيُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ شَرْعًا فَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ وَيُضِيفَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا الْعَادَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute