للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه ". (١)

فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن الأشياء التي لم يبين لهم فيها تكليف بأمر أو نهي، وأمرهم بالبقاء على ما كانوا عليه، وهو عدم التكليف لعدم وجود الشرع، فدلَّ على أنه لا تكليف فيها قبل ورود الشرع.

قال الإمام النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: "ذروني ما تركتكم" دليل على أن الأصل عدم الوجوب، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين (٢) لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥] (٣)، وغيرها من الأدلة الظاهرة.

وممن استنبط هذه الدلالة من هذه الآية في سورة الزمر: الرازي، والبيضاوي، وأبو السعود، وحقي، والألوسي، وغيرهم). (٤)

فالأصل في الأعمال قبل ورود الشرع العلم بالمكلف به، ويؤيده أنه لو كان المرء مكلفًا بالعمل لكان تكليفًا بما لا يطاق؛ لأنه تكليف بما لا سبيل إلى الوصول


(١) تقدم تخريجه عن أبي هريرة في صحيح البخاري.
(٢) ينظر: المنخول للغزالي (١/ ٧٦)، والمحصول للرازي (١/ ١٣٩)، والإحكام للآمدي (١/ ٧٩).
(٣) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (٩/ ١٠١)، ونقل هذا الاستدلال الإمام ابن حجر رحمه الله في: فتح الباري (١٣/ ٢٦١).
(٤) ينظر: التفسير الكبير (٢٧/ ٤٧٩)، وأنوار التنزيل (٥/ ٤٩)، وإرشاد العقل السليم (٧/ ٢٦٤)، وروح البيان (٨/ ١٤٢).

<<  <   >  >>