للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سواء إِن كان قد جرحه الكلب، فهو داخل في حكم آية التحليل، وإِن لم يجرحه بل صدمه أو قتله بثقله؛ فهو نطح أو في حكمه؛ فلا يكون حلالًا.

(فإِن قيل): فلم لا فصَّل في حكم الكلب، فقال ما ذكرتم؛ إِن جرحه فهو حلال، وإِن لم يجرحه فهو حرام؟.

(فالجواب): أن ذلك نادر؛ لأن من شأن الكلب أن يقتل بظفره أو نابه أو بهما معًا، وأما اصطدامه هو والصيد فنادر، وكذا قتله إِياه بثقله، فلم يحتج إِلي الاحتراز من ذلك لندوره، أو لظهور حكمه عند من علم تحريم الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وأما السهم والمعراض فتارة يخطئ لسوء رمي راميه، أو للهواء، أو نحو ذلك، بل خطؤه أكثر من إِصابته، فلهذا ذكر كلًّا من حكميه مفصلًا، والله أعلم.

ولهذا لما كان الكلب من شأنه أنه [قد] [١] يأكل من الصيد، ذكر حكم ما إذا أكل من الصيد، فقال: "إِن أكل فلا تأكل، فإِني أخاف أن يكون أمسك على نفسه". وهذا صحيح ثابت في الصحيحين (٦٠)، وهو أيضًا مخصوص من عموم آية التحليل عند كثيرين، فقالوا: لا يحل ما أكل منه الكلب، حكي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس، وبه قال الحسن والشعبي والنخعي، وإِليه ذهب أبو حنيفة وصاحباه، وأحمد بن حنبل والشافعي في المشهور عنه. وروى ابن جرير في تفسيره (٦١)، عن علي وسعد وسلمان وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس، أن الصيد يؤكل، وإِن أكل منه الكلب، حتى قال سعد [٢] وسلمان وأبو هريرة وابن عمر وغيرهم: يؤكل ولو لم يبق منه إِلا بضعة. وإِلى ذلك ذهب مالك والشافعي في قوله القديم، وأومأ في الجديد إِلى قولين، قال ذلك الإِمام أبو نصر بن الصباغ وغيره من الأصحاب عنه [٣].

وقد روي أبو داود بإِسناد جيد قوي عن أبي ثعلبة الخشني (٦٢)، عن رسول الله ، أنه قال


(٦٠) - جزء من حديث عدي بن حاتم المتقدم رقم (٥٨).
(٦١) - انظر رقم (٥٩).
(٦٢) - أخرجه أبو داود في الصيد، باب: في الصيد الحديث (٢٨٥٢) من طريق بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني به، وأصل الحديث عند البخاري في الذبائح والصيد باب: صيد القوس، الحديث (٥٤٧٨)، وفي باب: ما جاء في التصيد الحديث (٥٤٨٨)، وفي باب: آنية =