للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تمييز حاد بين «العسكر» و «الرعايا»، أي بين الفئة العسكرية التي كانت منها تملأ مراكز الحكام، وبين أفراد الرعية الذين كانوا، مسلمين أو مسيحيين، يدفعون المكوس وهم محرومون من الاشتراك الفعلي في الحكم. بيد أن هذا التمييز أخذ يتضاءل مع الزمن. فالخيالة الإقطاعية تلاشت كقوة عسكرية. وإذ كانت الإقطاعات تنهار دون أن يخلف أصحابها أحد، اكتسب ملتزمو الأراضي حق استيفاء الخراج عوضًا عنهم، وغدوا بدورهم طبقة وراثية من الملاكين، وإن على نفوذ أضعف. وعلى أنقاض الخيالة التركية الحرة، قامت، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، طبقة عسكرية جديدة، مؤلفة من فيالق العبيد التي كانت جزءًا من الجيش منذ أقدم الأزمان. إن هؤلاء العبيد، المتحدرين من أصل بلقاني، مسيحي أو قوقازي، كانوا قد وقعوا في حوزة الأتراك، إما بالمشتري أو بالتجنيد الدوري. ثم أخذوا يتدربون في المدارس العسكرية ومدارس القصر ويتخرجون منها، حسب مؤهلاتهم، جنودًا في الإنكشارية أو في فيالق أخرى، أو خدامًا في القصر، أو موظفين كبارًا في حكومة السلطان. وكانت هذه النخبة من العبيد، في أيام عزها، منعتقة من أواصر القرابة الدموية، إذ كانت قد فقدت روابطها الأصلية بالانخراط في الجندية أو باعتناق الإسلام أو بالتربية، ولم يكن بوسعها اكتساب روابط جديدة، لأن العبيد لم يكن يؤذن لهم بالزواج ما داموا جنودًا، وإذا تزوجوا، لم يكن لأولادهم الحق في أن ينخرطوا في سلك الجندية. إنما كانت قد نمت فيهم، عوضًا عن العصبية الطبيعية، عصبية جديدة، هي روح الجماعة المهنية مع ولائها لعرش السلطان.

إلا أن الولاء الديني كان يدعم، منذ البدء، الولاء الناشئ عن الأواصر الدموية أو الروابط المهنية. فقد برزت الإمبراطورية إلى حيز الوجود كدولة محاربة تخوض غمار الجهاد على الحدود البيزنطية. وقد تمت فتوحاتها الأولى على حساب الإمبراطورية المسيحية. نعم،

<<  <   >  >>