للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والطبائع التي نشأت حولها. وكان المطلب الديني الوحيد الذي طالبت به هذه الحركات مطلبًا سلبيًا، يقضي على المسلم أو المسيحي أو اليهودي أن لا يرتد عن دين أجداده ولا يعتنق دينًا آخر. أما مطلبها الإيجابي، فقد كونته الروابط القائمة بين أبناء الأمة الواحدة، وهي روابط عاطفية ودنيوية، كالثقافة وذكريات ما أنجزوه معًا في الماضي، فضلًا عن المصالح الزمنية. وقد تميزت القومية الدينية بأنها كانت، باستثناء الحركة الصهيونية القائمة على حس بالتضامن وبالمصالح المشتركة فريد في قوته، أقل ثباتًا من الأنواع الأخرى، مع أنها كانت تشكل عنصرًا من عناصرها. فقد كان «التركي» يتضمن إلى حد ما معنى «السني» و «الفارسي» معنى «الشيعي»، ناهيك بأن الوعي العربي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالوعي الإسلامي. (عندما عمدت جامعة الأمم، بعد حرب ١٩٢٠ - ١٩٢٢ اليونانية التركية إلى إجراء تبادل بين الأتراك في اليونان واليونانيين في تركيا، لم تجد، للقيام بذلك، سوى المعيار الديني، فاعتبرت أبناء الكنيسة الأرثوذكسية يونانيين، سواءً كانت لغتهم يونانية أو تركية، والمسلمين أتراكًا، سواءً كانت لغتهم تركية أو يونانية).

أما النوع الثاني من القومية، وهو القومية الإقليمية، فقد كان مألوفًا بالأخص في البلدان القديمة والمستقرة من أوروبا الغربية. وهو كناية عن الشعور بالانتماء إلى جماعة واحدة من القاطنين رقعة محددة من الأرض والمتأصلي الجذور في حب هذه الرقعة. وكان هذا الشعور على أشده في تلك الأجزاء من الشرق الأوسط حيث يعيش في الرقعة الواحدة جماعة مستقرة فيها منذ زمن طويل، وحيث تكون لتلك الرقعة حدود واضحة وتقليد متصل من الكيان الإداري أو السياسي القائم بذاته، كما كانت الحال في مصر وجبل لبنان وتونس. وكان هذا النوع من القومية يثير، حيثما وجد، ذكريات البلد وسكانه في العصور القديمة، كالفراعنة والفينيقيين والحثيين. وذلك لأن إعلان الانتماء إلى ماض قديم كان أحد السبل للتهرب من

<<  <   >  >>