للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مقدمة المؤلف]

ليس هذا الكتاب تاريخًا عامًا للفكر العربي الحديث، إنما هو دراسة لذلك التيار من الفكر السياسي والاجتماعي الذي أخذ يظهر، عندما تنبه المثقفون في البلاد الناطقة بالضاد، خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، إلى أفكار أوروبا الحديثة ومؤسساتها وبدأوا، في النصف الثاني منه، يشعرون بقوتها. فقد كانوا يتساءلون عما يجب عليهم وعما يمكنهم أن يأخذوه عن الغرب لإحياء مجتمعهم. كما كانوا يتساءلون بأي معنى يظلون عربًا، ويظلون مسلمين، إذا ما تأثروا بالغرب واقتبسوا عنه. وقد حاولت أن أبين كيف عبرت هذه التساؤلات عن نفسها، وأن استعرض بعض الأجوبة التي أعطيت عنها. على أني لم أحاول الإتيان على كل شيء، بل انتقيت ما بدا لي ملائمًا لإيضاح موضوعي.

فتوسعت في عرض التكاوين الفكرية الأولى أكثر من الأخيرة، وفي ما كتب في القاهرة وبيروت أكثر مما كتب في أماكن أخرى. ووجهت اهتمامي الرئيسي نحو مؤلفات عدد قليل من المفكرين الذين بدوا لي جديرين بالدراسة أكثر من سواهم، محاولًا سرد تفاصيل كافية عن حياتهم وعن العالم الذي عاشوا فيه، كي يتضح لماذا طرحوا أسئلتهم كما فعلوا. هذا مع العلم بأن التمييز بين «الشرق» و «الغرب» لم يعد، بعد ١٩٤٥، صحيحًا بمقدار ما كان كذلك من قبل، وأن قضية «محاكاة الغرب» لم تعد محور التفكير، اكتفيت بالإشارة إليه من بعيد في خاتمة الكتاب.

ولا بد هنا من أن أعرب عن عميق امتناني للمؤسسات

<<  <   >  >>