للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مشاكل الشرق الأدنى الخاصة. إلا أنها أثارت استطرادًا، مرة أخرى، المسائل العامة في التفكير السياسي: ما هو المجتمع الفاضل؟ وما هي القاعدة التي يجب أن تهيمن على عملية الإصلاح؟ وهل من الممكن استنباط هذه القاعدة من مبادئ الشريعة الإسلامية، أم أنه من الضروري الالتجاء إلى تعاليم أوروبا الحديثة وسلوكها؟ وهل هناك، بالواقع، تناقض بين الاثنين؟ وأخذت هذه الأسئلة تبرز في عقول بعض كتاب ذلك العصر الذين، وإن كانوا قد التزموا نوعًا ما بحركة الإصلاح، إلا أنهم كانوا، بالوقت نفسه، من أنصار التراث الإسلامي الراغبين في أن يثبتوا أن الإصلاح الحديث إنما تجيزه تعاليم الإسلام الاجتماعية، لا بل تستوجبه.

تناول هذه المواضيع في إسطنبول كتاب النصف الأول من القرن التاسع عشر، أمثال صادق رفعت باشا. لكنها لم تعالج معالجة وافية إلا على يد جيل فتي من الكتاب، احتل مكانة مرموقة في العقد السادس من ذلك القرن، أمثال شيناري، وضياء باشا، ونامق كمال، الذين اطلعوا على أدب أوروبا ووقفوا على أفكارها وأعجبوا بقوتها ورقيها. غير أنهم لم يكونوا بعد، بملء قلوبهم، من دعاة الحضارة الغربية. نعم، لقد شعروا بانتمائهم إلى مجتمع عثماني يضم أيضًا فئات غير تركية وغير مسلمة، وودوا أن تلج الإمبراطورية باب العالم الحديث، إلا أنهم كانوا يتحسسون أيضًا بالوطن الإسلامي المتأصلة جذورهم فيه، ويقدرون خلقية الإسلام قدرًا جمًا، فحاولوا، بمفاهيم إسلامية، تبرير تبني المؤسسات الغربية، معتبرين ذلك التبني عودة إلى روح الإسلام الحقيقية، لا إدخال شيء جديد عليه. أما في الشؤون السياسية، فكانوا ديمقراطي النزعة، يعتقدون أن النظام البرلماني الحديث ليس سوى بعث لنظام الشورى الذي كان قائمًا في فجر الإسلام، وأنه الضمانة الوحيدة للحرية. وهذا ما أدى بهم إلى الاصطدام بالحكومة التي، على تأييدهم إصلاحاتها، انتقدوا طابعها الأوتوقراطي. وقد وجدوا

<<  <   >  >>