لهما ستر غيرهما- بعد هبوب الريح الباردة، هي التي الجأتهما إلى التماس التوقي من لذعها. أما الشريف فقد لفه الثوب مع صاحبته ثم جاءت الريح غيري لتكشف المستور. لا ريب أنه لم يرد هذا المعنى ولكن أراد الأخذ من الحسحاسي والزيادة عليه بنسبة الغيرة إلى الريح لأن ههنا حبًّا ولقاء يثير الغيرة. ولكن ذلك قارب به فساد المعنى ثم هو قد حشد أشياء من معاني الحسحاسي هنا حشدًا، كقوله الكثيب وهو في بيت الحسحاسي:
وبتنا وسادانا إلى علجانة ... وحقف تهاداه الرياح تهاديا
والعلجانة ما ارتفع من الرمل عند أصول الشجرة. وأخذ الشريف وتلفيقه ظاهر. والريط ثوب الفتاة. واللمم بكسر اللام جمع لمة وهي شعر الرأس وما أكثر ما تذكر اللمم في وصف شعور الرجال إذا جاوزت شحمات الآذان ويقال لشعور النساء ذوائب وغدائر وفروع وكل ما يدل على الجثالة. وقوله «يشي بنا الطيب» من قول عبد بن الحسحاس «فما زال ثوبي طيبًا من ثيابها» والحسحاسي أجود معنى لأنه نسب الطيب إليها، وقد عمى الرضي إذ جعل الطيب كأنه منسوب إليهما معًا، ثم انخرط به سبيله وراء المقابلة، فجعل الطيب يدل عليهما حيننًا وضوء البرق يدل عليهما حينًا وجعل البرق مجتازًا إلى أضم بلا كبير فائدة في ذلك وذكر البرق في شعر امرئ القيس وعبد بن الحسحاس كما تعلم «أصاح ترى برقًا أريك وميضه»، وقال الحسحاسي:
فدع ذا ولكن هل ترى ضوء بارق ... يضيء حبيًّا منجدًا متعاليا
وأخذ الشريف من الآية {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} فأضاف ذلك برقه الواشي ههنا. وفي هذا التلفيق نوع من إفساد للمعنى، إذ الطيب لا ينقطع أن يكون طيبًا فواحًا في الأحيان التي لا يشي بهما ويدع ذلك للبرق