للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يضيئهما، ثم قد جعل مع الريح التي تجاذبهما فضول الثياب برقًا ومع البرق بلا ريب مطرٌ فصارا كبقرة لبيد التي قال فيها:

باتت وأسبل واكفٌ من ديمة ... يغشى الخمائل دائما تسجامها

تجتاف أصلًا قالصًا متنبذا ... بعجوب أنقاء يميل هيامها

يعلو طريقة متنها متواتر ... في ليلة كفر النجوم غمامها

وتضيء في وسط الظلام منيرة ... كجمانة البحري سل نظامها

وإنما أوقعه في هذه المزلة والخلط حرصٌ منه على التلفيق. فقد تعلم خبر عمر ابن أبي ربيعة إذ قال:

وما نلت منها محرمًا غير أننا ... كلانا من الثوب المورد لابس

فأخذ هذا عليه فأعذر عن نفسه بأنه أصابهما رش من مطر فاستترا بهذا الثوب المورد، فجاء الشريف بهذا المعنى في قوله «بتنا ضجيعين في ثوبي عفاف تقى» وقوله «يلفنا الشوق من فرع إلى قدم» ليس بجيد لغلظ الألفاظ ورقة المعنى ثم المعنى إضافة مستغنى عنها. وإن يكن أراد أن الشوق هو ثوبا العفاف والتقى اللذان يلفانهما ففي ذلك بعدٌ وغموض ليس يسمح به ظاهر تأويل كلامه. ثم بعد أن ذكر البرق وهو برق سحاب وسماء مجتاز إلى إضم بدا له أن يجعل البرق هو ثغر المحبوبة وتكلف شرحًا لذكر البرق الذي مر مجتازًا إلى إضم فقال:

وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي

ولا معنى لذاك هنا غير قصد الشرح، فقد سبق له من تقريب صاحبة الثغر إلى نفسه أن تحدث عن نفسيهما معًا بضمير المتكلم. وكأنه أعجبه قول أبي الطيب حيث قال:

تبل خدي كلما ابتسمت ... من مطر برقة ثناياها

<<  <  ج: ص:  >  >>