الساخر. من ذلك مثلًا قول أبي تمام يشفع في قوم عند مالك بن طوق:
ذهبت أكابرهم ودبر أمرهم ... أحداثهم تدبير غير صواب
لا رقة الحضر اللطيف غذتهم ... وتباعدوا عن فطنة الأعراب
فإذا كشفتهم وجدت لديهم كرم النفوس وقلة الآداب
ومهما يكن أبو تمام قد أبلغ في الاعتذار عن هؤلاء الكريمي النفوس مع قلة الآداب فإن كلامه في جملته نقد ساخر لحالٍ اجتماعية، لعلها كانت أصدق على أقوام من مجتمعه المتحضر منها على هؤلاء الذين تلطف فاعتذر بما اعتذر به عنهم. وقد حاكى أبو الطيب مذهب أبي تمام في كلتا كلمتيه:
بغيرك راعيًّا عبث الذئاب ... وغيرك صارمًا ثلم الضراب
طوال قنا تطاعنها قصار ... وقطرك في وغًى وندى بحار
ولكنه كأن أرق قلبًا على بني كعب وبني كلب، ولا غرو فقد نشأ في باديتهم ولعلهم كانوا أحب إليه من مجتمع سيف الدولة بأسره.
وشعر المتنبي الذي ضمنه ثورات شبابه مليء بهذا من النقد الاجتماعي الساخر نحو:
فؤاد ما تسليه المدام ... وعمر مثل ما تهب اللئام
ودهر ناسه ناس صغار ... وإن كانت لهم جثث ضخام
أرانب غير أنهم ملوك ... مفتحة عيونهم نيام
وأجسام يحر القتل فيها ... وما أقرانها إلا الطعام
وقد ذكر في خبر أبي العلاء أنه لما زكى نفسه بأنه لم يهج أحدًا قال له أحد الخبثاء إلا الأنبياء. والحق أن أبا العلاء قد أنطق نفسه بلسان الدهر الذي قال فيه:
لو نطق الدهر هجا أهله ... كأنه الرومي أو دعبل