للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللغة لأن الشاعر أثبت فيه المنار لينفيه. وقد استشهد به أصحاب الحديث في تفسير قولهم «كان مجلس رسول الله لا تنثى فلتاته» أي لم تكن فيه فلتات فتنثى.

على كل مقصوص الذنابي معاودٍ ... بريد السرى بالليل من خيل بربرا

أقب كسرحان الغضى متمطرٍ ... ترى الماء من أعطافه قد تحدرا (١)

إذا زعته من جانبيه كليهما ... مشى الهيدبي في دفه ثم فرفرا (٢)

وصف في هذه الأبيات خيل البريد المقصوصة الأذناب، المعودة على سير الليل في طرق لواحب إذا سلكتها الإبل أنكرتها وحنت إلى أهلها. ويعجبني وصف الشاعر لحصان البريد كيف ينشط عندما يزجر ويمشي مشية فيها عجرفية، ثم قال:

لقد أنكرتني بعلبك وأهلها ... ولابن جريجٍ في قرى حمص أنكرا

نشيم بروق المزن أين مصابه ... ولا شيء يشفي منك يا ابنة عفزرا

من القاصرات الطرف لودب محولٌ ... من الذر فوق الإتب منها لأثرا

تأمل إلى هذا الاستطراد الرائع من ذكر الرحلة إلى ذكر أيام لذاته اللائي انقضين، وانظر إلى هذا النعت المطرب الدقيق لابنة عفزر، ذات البشر المصون الذي يؤثر فيه الذر على ثوب الحرير الهفهاف الملامسه. وهذا الوصف يذكرني ما زعموه من جمال «ماريا ستوارت» أن بشرتها كانت من الصفاء والرقة بحيث كان مجالسها يرى مستن الراح في حلقها حين تشرب. ثم انظر في الأبيات التي تلي، فما أحسبك تجد مثلها في صدق الحنين:

له الويل إن أمسى ولا أم هاشم ... قريبٌ ولا البسباسة ابنة يشكرا

أرى أم عمرٍ دمعها قد تحدرا ... بكاءً على عمروٍ وما كان أصبرا


(١) الأقب: الضامر. والسرحان: الذئب. والمتمطر: السريع.
(٢) زعته: وجهته في السير.

<<  <  ج: ص:  >  >>