للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى إلى دقة حس هذا الرجل، كيف لما ذكر حبائيه البسباسة وأم هاشم وابنة عفزر ذكر عمرو بن قميثة، وأن له نساءً وراءه أقوى صلةً، وأحق بواجب الذكر وأدعى ذكرهن إلى اللوعة المحرقة من هؤلاء، منهن أمه التي تركها وراءه ويمم شقة بعيدة لا يدري ماذا يكون مصيرها؟

إذا نحن سرنا خمس عشرة حجةً ... وراء الحساء من مدافع قيصرا

إذا قلت هذا صاحبٌ قد رضيته ... وقرت به العينان بدلت آخرا

كذلك جدي ما أُصاحب صاحبًا ... من الناس إلا خانني وتغيرا

وإني ليحيرني مجيء هذا البيت الأخير والذي قبله في موضعيهما هذا بعد ذكر الشاعر لعمرو خليله. أترى أن عمرًا هذا لم يكن من أخلائه القدماء وأنه تبدله من آخر كان أدنى إلى قلبه وآثر مكانه عنده؟ أم ترى أن امرأ القيس جعل يحس جفوة من عمرو ويحتجن عليه هنات، ويترقب يومًا تنقطع فيه عرى المودة؟ ومهما يكن من شيء فهذان البيتان يشيران إلى أمر قويّ الصلة برحلة امرئ القيس، داخل في صميم العلاقة التي كانت بينه وبين رفقائه في السير.

وكنا أُناسًا قبل غزوة قرملٍ ... ورثنا الغنى والمجد أكبر أكبرا

وما جبنت خيلي ولكن تذكرت ... مرابطها من بربعيص وميسرا

وقد عيب هذا على امرئ القيس، فقيل إن تذكر خيله لمراتعها وهي في غمرة الحرب لهو الجبن بعينه. وهذا نقد صائب في بابه. ولكن القائلين به نسوا أن الشاعر نظم هذه الأبيات وهو مغتربٌ ملتاع، فأورد هذا الاعتذار لهزيمته، لا يريد محض الاعتذار، وإنما أراد أن يمثل به جانبًا مما كان يثور بفؤاده من نزاع إلى موطنه.

ألا رب يومٍ صالحٍ قد شهدته ... بتاذف ذات التل من فوق طرطرا

ولا مثل يومٍ في قداران ظلته ... كأني وأصحابي على قرن أعفرا

<<  <  ج: ص:  >  >>