ونشرب حتى نحسب الخيل حولنا ... نقادًا وحتى نحسب الجون أشقرا
وهذا آخر القصيدة بحسب الرواية. وكلام امرئ القيس أبدًا ينتهي وأنت في حاجة إلى المزيد منه. وهذه القصيدة من أروع ما جاء في تصوير الغُربة واضطراب عاطفة المسافر وقد كساها الشاعر من تدبيجها بالذكريات وأسماء المواضع جوًا حزينًا جليلاً يملك على الشامع أنحاء لبه.
هذا، وإذ نحن بصدد الحديث عن امرئ القيس، فقد كان لهذا الشاعر فضل عظيم على من بعده في أنه طول الغزل في بحر الطويل، وفصل في أحاديث النساء، وأقاصيص الصبا والفتك. وقد كان مُغرى كلفًا بالغواني. ومع ذلك فقد كان مُفركًا (١) لديهن. ولعل هذا العيب فيه يفسر لنا ما نجده في شعره من تقص لأسرار الحب، وكشف عما ينبغي أن يخبأ منها وفخر في ذلك وتزويد، ويشبهه في هذه الناحية من أدباء العصر الإنجليز الكاتب د. هـ. لورنس. وامرؤ القيس أعف وأنبل منه على كل حال. وقد أبن هذا الكاتب معاصروه بالاعوجاج والضعف الجنسي. وربما كان ذلك صوابًا، لأنك تقرأ كلامه فتحس فيه روحًا من الشر وفقدان المروءة، على أنك تقرأ وصفًا أكثر تفصيلاً من وصفه في كتاب ألف ليلة وليلة وبعض قصص شوسر، فلا تجد فيه ما ينفر، ولا تحس فيه إلا العبث.
ولما كان الطويل بحر جد وعمق فإن مُجرد العبث الغزلي لا يكاد يستقيم فيه ولذلك آثر عمر وأضرابه الأوزان القصار لعبثهم ومزاحهم. وإنما يصلح فيه الغزل إذا مازجته نفحة من جد وعمق، كالذي تجده عند امرئ القيس من الاهتمام بإحياء الذكريات أكثر من العمد إلى مجرد قصها عليك. وطريقته هذه تمتاز بالتمهل والتأمل