للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتهالك، ولا تكاد تخلو من أسى خفي يشعر بأن الرجل لم يبلغ من حد المتعة كل ما يزعمه. خذ على سبيل المثال قوله في اللامية:

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وألا يحسن اللهو أمثالي (١)

وهذا البيت وحده ينث بما تحته، وقد روى الرواة «السر» مكان اللهو ولم يرضوا بتركها غامضة، ففسروها تفسيرًا فيه تهمة بينه لامرئ القيس.

كذبت لقد أصبي على المرء عرسه ... وأمنع عرسي أن يُزن بها الخالي

ويا رب يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنها خط تمثال

يضيء الفراش وجهها لضجيعها ... كمصباح زيت في قناديل ذُبال

كأن على لباتها جمر مُصطل ... أصاب غضى جزلاً وكُف بأجزال

وهذا البيت بارع ماهر كما ترى. ولا أجد تشبيهًا للبة الفتاة ذات النحر المورد أجود من تشبيهه بالنار المتوهجة، كما في هذا البيت:

ومثلك بيضاء العوارض طفلة ... لعوب تُنسيني إذا قمت سربالي

تأمل قوله «بيضاء العوارض» - وهي الأسنان. وأي ثغر أحلى من ذلك الذي صفت ثناياه وبرقت. ولقد كان العرب مفتونين بذكر الثغور الواضحة حتى إنهم لا يكادون يستفتحون ذكر النساء بغيره. ولا تجد مثل ذلك في شعر الفرنجة، وإنما يذكر الإفرنج القبل والنفس من دون تعرض للأسنان. وما ذلك إلا لأن الغالب على سكان البلاد الباردة تنكت الأسنان وسقمها دون صفائها وبياضها.

إذا ما الضجيع ابتزها من ثيابها ... تميل عليه هونة غير مجبال

كحقف النقا يمشي الوليدان فوقه ... بما احتسبا من لين مس وتسهال

تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عال


(١) مختار الشعر الجاهلي ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>