للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن خلي من يُديم وصاله ... ويحفظ سري عند كل دخيل

ولم أر من ليلى نوالا أعده ... ألا ربما طالبت غير مُنيل

يلومك في ليلى وعقلك عندها ... رجال ولم تذهب لهم بعقول

يقولون ودع عنك ليلى ولاتهم ... بقاطعة الأقلاان ذات حليل

فما نقعت نفسي بما أمروا به ... ولا عجت من أقوالهم بفتيل (١)

فهذا الكلام صادق اللهجة، وفيه مع ذلك انكسار وتذلل يناسب مذهب كثير في الغرام وأنت ترى فيه إعمال الروية والفكر. والبيتان الأخيران فيهما لوعة لاذعة، وحر يلفح. فإن كان كثير قالها كاذبًا- وهذا بعيد- فقد علمه تكلف الغرام كيف يُصيب صفة الغرام.

والأبيات التالية (من هذه القصيدة) من جيد الغزل وناصعه:

تذكرت أسرابًا لعزة كالمها ... حُبين بليط ناعم وقبول (٢)

وكنت إذا لاقيتهن كأنني ... مخالطة عقلي سلاف شمول

تأطرن حتى قلت لسن بوارحا ... رجاء الأماني أن يقلن مقيلي

انظر إلى قوله: «رجاء الأماني» ألا تحس فيه دقة وإفصاحًا بما يجول في الصدر أحيانًا من هواجس وُمنى:

فأبدين لي من بينهن تجهمًا ... وأخلفن ظني إذ ظننت وقيلي

فلأيًا بلأي ما قضين لبانة ... من الدار واستقللن بعد طويل

فقلت وأسررت الندامة ليتني ... وكنت امرأ أغتس كل عذول

سلكت سبيل الرائحات عشية ... مخارم نصع أو سلكن سبيلي


(١) طبعة الدار «عجت» بضم العين، والصواب كسرها. عاج بالدواء يعيج به: انتقع.
(٢) الليط: اللون والبشرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>