فلم أر منزولاً به بعد هجعة ... ألذ قرى لولا الذي قد نحاذره
أحاذر بوابين قد وكلا بها ... وأحمر من ساج تئط مسامره
فقلت لها كيف النزول فإنني ... أرى الليل قد ولى وصوت طائره
فقالت أقاليد الرتاجين عنده ... وطهمان بالأبواب كيف تُساوره
أبا لسيف أم كيف التسني لموثق ... عليه رقيب دائب الليل ساهره
وازن هذا الكلام بما أوردته لك من رائية ابن أبي ربيعة ولامية امرئ القيس- ذانك يُهونان الأمر على صاحبتيهما، الأول يحلف لها أن المكان خال، ويثبت جأشها بما يدعيه من صدق القتال أوان الجد، والثاني يجعلها هي المتولهة الخائفة ثم يظهر أمامها الرجولة قائلاً إنه سيبادي الأعداء فأما نجا وإما قتل. ولكن الفرزدق لا يزعم شيئًا من هذا، بل يؤكد لك أنه كان في غمرة الخوف حينما كان في غمرة الوصال. وأن خوفه قد حال بينه وبين كامل الاستمتاع، فقد كان يحاذر البوابين، وكان في الوقت نفسه يفكر في الفرار، فيروعه الباب الساجي الضخم، ويهول الفرزدق أمر هذا الباب حتى ينقل لك صوت أطيطه ومنظر مساميره المرعبة في جملة واحدة «تئط مسامره» وأنت تعلم أن المسامير لم تكن تئط وإلا لكان الباب ركيكًا، وإنما كان يئط هو كله عند انفتاحه وانسداده- وسياق الكلام يشعر أن الفرزدق لم ير الباب إلا مُوصدًا، لأنه صعد بسلم من حبال، فذكره لأطيطه ولصوت مساميره، كل ذلك من صنع الخيال الخائف المرتعد.
ثم لم يكتف الفرزدق بهذا، فجعل نفسه الجازع المتوله لا المرأة، وصور المرأة بصور الذي يريد أن يسخر به، فهو يناشدها أن تنتبه إلى طلوع الفجر، وهي تروعه بذكر البواب، وأن لا سبيل إلى الفرار إلا عن طريقه، وأن لديه مفاتيح الرتاجين وأن لديه كلبًا ضخمًا رابضًا اسمه «طهمان» ينبهه من غفوته، ويساور من يهم بتخطي الباب خارجًا أو داخلاً. ثم تبالغ المرأة في تخويف الفرزدق فتقترح عليه