للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يستعمل السيف للخلاص. وذلك بالنسبة إليه داهية الدواهي وقاصمة الظهر. فماذا كان جوابه؟

فقلت ابتغي من غير ذاك محالة ... وللأمر هيئات تُصاب مصادره

وهذا الكلام أولى به المرأة من الفرزدق. وفي رائية عمر تجد أن أختي الخليلة هما اللتان قالتا هذا الكلام:

لعل الذي أصعدتني أن يردني ... إلى الأرض إن لم يقدر الحين قادره

فجاءت بأسباب طوال وأشرفت ... قسيمة ذي زور مخوف تراتره (١)

أخذت بأطراف الحبال وإنما ... على الله من عوص الأمور مياسره

فقلت اقعدا إن القيام مزلة ... وشدا معًا بالحبل إني مخاطره

ولا حاجة بي إلى أن أنبهك إلى ما في هذا الكلام من الفكاهة والصور المضحكة والتصوير البارع للاضطراب والمخافة.

وإذا قلت قد نلت البلاط تذبذبت ... حبالي في نيق مخوف مخاصرة (٢)

ولو قد قال «مخاطره» لاستقام الكلام، ولكن الفرزدق أراد لأن يشعرك أنه لم يكن خائفًا فحسب، وإنما كان خصرًا مقرورًا، لا سيما وقد خرج من مكان دفيء.

مُنيف ترى العقبان تُقصر دونه ... ودُون كُبيدات السماء مناظره

فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أحي يُرجى أم قتيل نُحاذره

ولكن الفرزدق لم تعجبه هذه الفكاهة، إذ أنه لم يأمن بعد، وما يدريه فربما يبصره البوابان في حباله فيهجمان عليه؟


(١) شبه زوجها بالأسد، فجعل له زورًا أي صدرًا. وتراتره: وثباته.
(٢) النيق: بكسر النون وإشباعها، ناحية الجبل. شبه جانب القصر به. والمخاصر: أماكن الخصر، والخصر: البرد، وفي المخاصر نفس من المصدر الميمي مع أنها جمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>