فقلت ارفعا الأسباب لا يشعروا بنا ... ووليت في أعجاز ليل أبادره
هما دلتاني من ثمانين قامة ... كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فأصبحت في القوم الجلوس وأصبحت ... مُغلقة دوني عليها دساكره (١)
وكأن الفرزدق يحمد الله على أن حاله ليست حالها- إذ كان يرى في الأبواب والحجرات العالية خطرًا عظيمًا، وداعيًا للرعب، حتى وإن لم تكن ريبة.
وقال من أخرى وذكر خوفه زيادًا أيام فر من البصرة واستجار بسعيد بن العاصي في المدنية (ديوانه ١٨٠):
إذا شئت غناني من العاج قاصف ... على معصم ريان لم يتخدد
لبيضاء من أهل المدينة لم تعش ... ببؤس ولم تتبع حمولة مُجحد
والمجحد: الفقير.
نعمت بها ليل التمام فلم يكد ... يُروي استقائي هامة الحائم الصدي
وقامت تُخشيني زيادًا وأجفلت ... حوالي في برد رقيق ومُجسد
فقلت ذريني من زياد فإنني ... أرى الموت وقافًا على كل مرصد
وهذه الأبيات يفسدها التعليق، على أني أجد قوله:«قامت تخشيني زيادًا وأجفلت إلى آخر ما قال» في الذروة من البلاغة وحسن التصوير. ولا يخفى على القارئ أن خوف الفرزدق من زياد- على أنه لا يطنب في تصويره، إطنابه في الرائية- كان عميقًا جدًا ألا تراه يقرن ذكر الرجل بالموت، ويستعجل اللذات قبل لقائه؟
ومما يدخل في هذا الباب -من جهة الفكاهة لا تصوير الخوف- قوله يذكر رجلاً من بلعنبر كان دليلاً عبد الله بن عامر بن كُريز أمير البصرة، وكان