للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشر بن ثم سمعن حسًا دونه ... شرف الحجاب وريب قرع يقرع

فنكرنه فنفرن فامترست به ... هوجاء هادية وهادٍ جرشع (١)

فرمى فأنفذ من نحوصٍ عائط ... سهمًا فخر وريشه متصمع (٢)

فبدا له أقرب هاد (٣) رائغًا ... عنه فعيث في الكنانة يرجع

فرمي فألحق صاعديًا مطحرا ... بالكشح فاشتملت عليه الأضلع

فأبدهن حتوفهن فهارب .... بذمائه أو بارك متجعجع (٤)

فأنت ترى هذا النسق بالفاء كيف اطرد له، ولم ينحل عقده، ولا اختل بناؤه (٥) ولولا ثقافة الشاعر ومراعاته إياه، لما تمكن له هذا التمكن. واستطرفوا ما جاء من الصنعة نحو البيت والبيتين في القصيدة بين القصائد. يستدل بذلك على جودة شعر الرجل وصدق حسه، وصفاء خاطره. فأما إذا كثر ذلك فهو عيب، يشهد بخلاف الطبع، وإيثار الكلفة (٦)، وليس يتجه البتة أن يتأتى من الشاعر قصيدة كلها أو أكثرها متصنع من غير قصد، كالذي يأتي من أشعار حبيب والبحتري وغيرهما وقد كانا يطلبان الصنعة ويولعان بها ... إلى آخ ما قاله". أهـ.

قلت: وكلام ابن رشيق هذا مقبول من حيث إن التكلف والصناعة في الشعر


(١) الهوجاء الهادية: هي الوحشية المتقدمة. والجرشع: القوي. والهادي: هو العنق: أي تقدمت الأوتان وتبعها عنق هذا الجمار الغليظ.
(٢) فرمى الصائد السهم، فأنفذه في الأتان. النحوص: أي القريبة العهد بالحمل، فخر السهم وريشه متلزج من الدم.
(٣) فبدت له جوانب الجمار راثغًا من السهم. والواية: "فبدت له أقراب هذا رائغا" بالغين المعجمة، فأدخل يده في الكنانة. وعيث: مضعف عاث.
(٤) فأبدهن حتوفهن: أي فبدد فيهن حنوفهن: أي فرق فيهن الموت.
(٥) الرواية في المفضليات ليست فاءاتها مطردة في هذا النسق، وقد أوردنا طرفا منها في الجزء الأول (المرشد ١: ٣٠٦) وابن رشيق نقل كلامه من قدامة.
(٦) لاحظ أن ابن رشيق هنا يستعمل الكلمة بمعناها الاصطلاحي؛ مشربة شيئًا كم عنصر الزراية.

<<  <  ج: ص:  >  >>