للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوثقهما في نفسه، وهو إحدى الروايتين طردًا للقياس. قالوا: لأنَّ الحقَّ في جهة واحدة، وعلى المكلَّف أن يطلبه بأقوى الأدلَّة في نفسه. وأقوال المفتين للعامِّيّ كالأدلَّة الخاصّة للمجتهد، وله نوعُ اجتهاد فيمن يقلِّده، فكما وجب على المجتهد رأيه في أدلَّة الأحكام أن يتبع أقوى الدلالتين، كذلك يجب على المجتهد رأيه في أقوال المفتين أن يتبع أوثق القائلين. وأكثر أصحابنا جوَّزوا له تقليدَ من شاء، وهو أشهر الروايتين إذا لم يكن من (١) أحد الجانبين نصٌّ ونحوه.

ثم إنَّ طائفة من أصحابنا، منهم ابن عقيل وأبو بكر الدينوري، ذكروا روايةً عن أحمد أنَّ كلَّ مجتهد مصيب (٢) بناءً على إذنه لبعض من استفتاه أن يقلِّد غيره من المفتين إذا أفتاه بخلاف قوله. وصنَّف رجلٌ (٣) كتابًا سمَّاه «كتاب الاختلاف»، فقال: سمِّه «كتاب السعة»، ولا تسمِّه «كتاب الاختلاف»، وقال (٤): لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناسَ على مذهبه. قال: ولو كان يعتقد أنهم على خطأ لما دلَّ عليهم، وأمر بالاستفتاء لهم. وبنى الدينوري على هذا أنَّ المصلِّي إلى القبلة باجتهاده مصيبٌ لما عند الله، وإن استقبل غير جهة الكعبة. وعلى هذا فيظهر تخيير العامِّي في تقليد من شاء في القبلة.

وأيضًا فلا فرق، بل يقال: التخيير في القبلة أولى من التخيير بين أعيان


(١) كذا في الأصل والمطبوع. وقد يكون تصحيف «في».
(٢) «المسودة في أصول الفقه» (ص ٤٥٠).
(٣) هو إسحاق بن بهلول الأنباري، روى مسائل عن الإمام أحمد. انظر: «طبقات الحنابلة» (١/ ٢٩٧)، و «المسودة» (ص ٤٥٠).
(٤) في رواية المرُّوذي كما في «الآداب الشرعية» (١/ ١٦٦).