للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الأول: أن المخاطب به النبي-صلى الله عليه وسلم-، أي ذلك الكتاب الذي ذكرته في

التوراة والإنجيل، هو الذي أنزلته عليك يا محمد.

والقول الثاني: أن المخاطب به اليهود والنصارى، وتقديره: أن ذلك الذي وعدتكم به هو هذا الكتاب، الذي أنزلته على محمد عليه وعلى آله السلام.

والثاني: يعني به ما نزل من القرآن قبل هذا بمكة والمدينة، وهذا قول الأصم.

والثالث: يعني هذا الكتاب، قاله الحسن (١) وابن عباس (٢)، مجاهد (٣)، وعكرمة (٤)، والسدي (٥)، وابن جريج (٦)، وهكذا فسره سعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان، وزيد بن أسلم (٧).

وأصحّ الأقوال هو تفسير (ذلك الكتاب) بـ (هذا الكتاب)، وهو قول الطبري وعامة المفسرين، "لأن ذلك أظهرُ معاني قولهم الذي قالوه في (ذلك)، وقد وَجَّه معنى (ذلك) بعضُهم، إلى نظير معنى بيت خُفاف بن نُدبة السُّلميّ (٨):

فَإن تَكُ خَيْلي قد أُصِيبَ صَمِيمُها ... فَعَمْدًا على عَيْنٍ تَيَمَّمْتُ مَالِكَا

أقولُ له، والرُّمحُ يأطِرُ مَتْنَهُ: ... تأمَّل خُفافًا، إنني أنا ذلِكَا (٩)

كأنه أراد: تأملني أنا ذلك. فزعم أنّ " ذلك الكتاب " بمعنى " هذا "، نظيرُه، أظهر خفافٌ من اسمه على وجه الخبر عن الغائب، وهو مخبر عن نفسه. فكذلك أظهر (ذلك) بمعنى الخبر عن الغائب، والمعنى فيه الإشارة إلى الحاضر المشاهَد" (١٠).

وفي البخاريّ: "وقال معمر ذلك الكتاب: هذا القرآن" (١١)، قد ورد (هذا) بمعنى (ذلك) في الحديث الشريف، قال عليه السلام في حديث أُمِّ حَرَام: "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج البحر" (١٢).

قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢]، أي: "لاشكّ فيه، ولا ارتياب به" (١٣).

قال أبو الدرداء: "الريب- يعني الشك- من الكفر" (١٤).

قال الثعلبي: أي" لا شكّ فيه، إنّه من عند الله" (١٥).


(١) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٤): ص ١/ ٣٤.
(٢) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٣٤.
(٣) أنظر: تفسير الطبري (٢٤٧): ص ١/ ٢٢٥.
(٤) أنظر: تفسير الطبري (٢٤٨): ص ١/ ٢٢٥، وابن أبي حاتم (٥٣): ص ١/ ٣٣.
(٥) أنظر: تفسير الطبري (٢٤٩): ص ١/ ٢٢٥.
(٦) أنظر: تفسير الطبري (٢٥٠): ص ١/ ٢٢٥.
(٧) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم ١/ ٣٣.
(٨) الأغاني ٢: ٣٢٩/ ١٣: ١٣٤، ١٣٥/ ١٦: ١٣٤، والخزانة ٢: ٤٧٠، وغيرهما، ويأتي في الطبري ١: ٣١٤، ٤٣٧. يقول الشعر في مقتل ابن عمه معاوية بن عمرو أخى الخنساء. ومالك، هو مالك بن حِمَار الشمخي الفزاري. والخيل هنا: هم فرسان الغارة، وكان معاوية وخفاف غزوَا بني مرة وفزارة. والصميم: الخالص المحض من كل شيء. وأراد معاوية ومقتله يومئذ. ويقال: " فعلت هذا الأمر عمد عين، وعمدًا على عين "، إذا تعمدته مواجهة بجد ويقين. وتيمم: قصد وأمَّ.
(٩) " أقول له "، يعني لمالك بن حِمَار. وأطر الشيء يأطره أطرًا: هو أن تقبض على أحد طرفي الشيء ثم تعوجه وتعطفه وتثنيه. وأراد أن حر الطعنة جعله يتثنى من ألمها، ثم ينحني ليهوى صريعًا إذ أصاب الرمح مقتله. وأرى أن الإشارة في هذا البيت إلى معنى غائب، كأنه قال: " أنا ذلك الذي سمعت به وببأسه ". وهذا المعنى يخرج البيت عن أن يكون شاهدًا على ما أراد الطبري. (تفسير الطبري: ١/ ٢٢٧).
(١٠) تفسير الطبري: ١/ ٢٢٧.
(١١) فتح الباري، كتاب التوحيد: ١٣/ ٥٠٣.
(١٢): أخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب الإمارة، باب فضل الغزو في البحر، ٦/ ٤٩، حديث رقم: (٥٠٤٣)، بلفظه مطولاً.
(١٣) المحرر الوجيز: ١/ ٨٣.
(١٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥): ص ١/ ٣٤. قال ابن أبي حاتم: " ولا أعلم في هذا الحرف [أي الريب]، اختلافا بين المفسرين، منهم: ابن عباس، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، ونافع مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وأبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، ومقاتل بن حيان، والسدي، وإسماعيل بن أبي خالد". [تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٣٤].
(١٥) تفسير الثعلبي: ١/ ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>