للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: أي: " لا شك فيه أنه نزل من عند الله، كما قال تعالى في السجدة: {الم * تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة: ١، ٢] " (١).

قال البغوي: أي: " لا شك فيه أنه من عند الله عز وجل وأنه الحق والصدق" (٢).

قال ابن عطية: " والمعنى: أنه في ذاته لا ريب فيه وإن وقع ريب للكفار" (٣).

قال القاسمي: أي" لا شك أنه [أي القرآن] من عند الله تعالى" (٤).

وقال الزمخشري: "الريبة: قلق النفس وااضطرابها" (٥).

قال السعدي: "ونفي الريب عنه، يستلزم ضده، إذ ضد الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب، وهذه قاعدة مفيدة، أن النفي المقصود به المدح، لا بد أن يكون متضمنا لضده، وهو الكمال، لأن النفي عدم، والعدم المحض، لا مدح فيه" (٦).

قال ابن عثيمين: " و"الريب" هو الشك؛ ولكن ليس مطلق الشك؛ بل الشك المصحوب بقلق لقوة الداعي الموجب للشك؛ أو لأن النفس لا تطمئن لهذا الشك؛ فهي قلقة منه. بخلاف مطلق الشك.؛ ولهذا من فسّر الريب بالشك فهذا تفسير تقريبي؛ لأن بينهما فرقاً" (٧).

وقرأ ابن كثير قوله تعالى: {فيه} [البقرة: ٢]، "بالإشباع في الوصل، وكذلك كل (هاء) كناية قبلها ساكن يشبعها وصلا ما لم يلقها ساكن ثم إن كان الساكن قبل الهاء ياء يشبعها بالكسرة (ياء) وإن كان غير (ياء) يشبعها بالضم (واوا)، ووافقه حفص في قوله "فيه مهانا"} [الفرقان: ٦٩]، فيشبعه" (٨).

قال ابن كثير: "ومن القراء من يقف على قوله: {لا رَيْبَ}، ويبتدئ بقوله: {فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، والوقف على قوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ}، أولى للآية التي ذكرنا، ولأنه يصير قوله: {هُدًى} صفة للقرآن، وذلك أبلغ من كون: {فِيهِ هُدًى} " (٩).

وقد ذكر أهل العلم في قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢] ثلاثة أوجه:

أحدها: أن (الريب)، هو الشك، وهو قول ابن عباس (١٠)، فـ (الريب)، مصدر من (راب)، وهو أن تتوهم في الشيء أمراً ما، ثم ينكشف عما توهمت فيه، والأرابة أن تتوهمه، فينكشف بخلاف ما توهمت، ولهذا قيل: " القرآن فيه أرابة وليس فيه ريب" (١١)، ومن ذلك قول ساعدة بن جُؤَيَّة الهذليّ (١٢):

فقالوا: تَرَكْنَا الحَيَّ قد حَصِرُوا به ... فلا رَيْبَ أنْ قد كان ثَمَّ لَحِيمُ

ومنه قول عبد الله بن الزِّبَعْرَى (١٣):

لَيْسَ في الْحَقِّ يَا أُمَيْمَةُ رَيْبٌ ... إِنَّمَا الرَّيْبُ مَا يَقُولُ الْجَهُولُ

فالقرآن لا شك ولا ريب أنه موحى من عند الله، كما قال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة: ٢]، فهذا الكتاب "مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب أن النفي المقصود به المدح، لا بد أن يكون متضمنا لضده، وهو الكمال، لأن النفي عدم، والعدم المحض، لا مدح فيه" (١٤)، وأن


(١) تفسير ابن كثير: ١/ ١٦٢.
(٢) تفسير البغوي: ١/ ٥٩.
(٣) المحرر الوجيز: ١/ ٨٣.
(٤) تفسير القاسمي: ١/ ٢٤٢.
(٥) الكشاف: ١/ ٣٤.
(٦) تفسير السعدي: ١/ ٤٠.
(٧) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٢٦.
(٨) تفسير البغوي: ١/ ٥٩.
(٩) تفسير ابن كثير: ١/ ١٦٢.
(١٠) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٣٤.
(١١) تفسير الرابغ الأصفهاني: ١/ ١١٥.
(١٢) ديوان الهذليين ١: ٢٣٢، واللسان (حصر)، ويروى: " حَصَرُوا " و " حَصِرُوا " والفتحُ أكثر، والكسر جائز. يعني بقوله " حصروا به ": أطافوا به. ويعني بقوله " لا ريب ". لا شك فيه. وبقوله " أن قد كان ثَمَّ لَحِيم "، يعني قتيلا يقال: قد لُحِم، إذا قُتل.
(١٣) من شواهد تفسير القرطبي: ١/ ١٥٩، والدر المصون: ١/ ٨٥، والبحر المحيط: ١/ ١٣٣، والنكت والعيون: ١/ ٦٧.
(١٤) تفسير السعدي: ١/ ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>