للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التنويه بهذا الكمال يستوجب حمد الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: ١].

قال ابن الأثير: "الريب هو بمعنى الشك .. يقال: رابني الشىء وأرابني، بمعنى: شككنى، وقيل: أرابني في كذا، أي: شككنى وأوهمني الريبة فيه، ومنه الحديث: "دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ" (١)، أَي دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه" (٢)، ومنه " ومنه: ريب الزمان، وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه" (٣).

وتجدر الإشارة بأن شيخ الاسلام ابن تيمية قد فرّق بين الشك والريب، بأن الريب يكون في علم القلب، وفي عمل القلب، بخلاف الشك، لايكون إلا في العلم (٤).

والثاني: أن (الريب): التهمة، ومنه قول جميل (٥):

بُثَيْنَةُ قالتْ: يا جَمِيلُ أَرَبْتَنِيُ ... فَقُلْتُ: كِلانَا يَا بُثَيْنَ مُرِيب

والثالث: أن (الريب): هو الحاجة، قال ابن فارس: "يقال: إن الريب الحاجة. وهذا ليس ببعيد؛ لأن طالب الحاجة شاك، على ما به من خوف الفوت" (٦)، ومنه قول كعب بن مالك (٧):

قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ... وخيبَر ثمَّ أَجْمَمْنَا السّيُوفا

أي: انتهينا من الحاجات بالسيوف، ففتحنا نجد بالإسلام وفتحنا تهامة (٨).

واختلف أهل العلم في الفرق بين (راب) و (أراب)، على قولين:

أحدهما: أن الكلمتين مختلفتين في المعنى، قال: سيبويه: " (أراب) الرجل أي: صار صاحب ريبة. كما قالوا: ألام، أي: استحق أن يلام، وأما (رابني) فمعناه: جعل في ريبة، كما تقول: قطعت النخل، أي: أوصلت إليه القطع، واستعملته فيه" (٩).

وقال أبو زيد (١٠): "قد رابني من فلان أمر رأيته منه رَيْبًا، إذا كنت مستيقنا منه بالريبة، فإذا أسأت به الظن ولم تستيقن بالريبة منه قلت: قد أرابني من فلان أمر هو فيه، إذا ظننته من غير أن تستيقنه" (١١).

والثاني: وقال آخرون (١٢) بأن: (راب) و (أراب) بمعنى واحد، وأنشدوا قول خالد بن زهير الهذلي (١٣):


(١) ابن حنبل في مسنده ج ١/ ص ٢٠٠ حديث رقم: ١٧٢٧، رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حديث حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (١٧٣٧).
(٢) النهاية في غريب الحديث: والأثر: ٢/ ٢٨٦، وانظر اللسان: (ريب).
(٣) الكشاف: ١/ ٣٤.
(٤) أنظر: مجموع الفتاوى: ٧/ ٢٨١.
(٥) ديوانه: ١٧، بتحقيق: فوزي عطوي، دار صعب، بيروت، ط ٢، ١٩٨٠.
(٦) معجم مقاييس اللغة: (ريب): ٢/ ٣٨٥.
(٧) أنظر: سيرة ابن هشام: ٢/ ٤٧٩، وأسد الغابة: ٤/ ١٨٨، وروايته فيه:
قضينا من تهامة كل وتر ... وخيبر ثُمَّ أغمدنا السيوفا
وأجممنا: أرحنا.
(٨) وقد ورد لفظ (الريب) باشتقاقاته في سبعة وثلاثين موضعا في القرآن الكريم، على ثلاثة أوجه:
أحدها: الشك: في قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢].
والثاني: الحوادث: ومنه قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور: ٣٠].
والثالث: الحسرة: قال تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ١١٠].
(٩) الكتاب: ٤/ ٦٠.
(١٠) هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، صاحب النحو واللغة، توفي سنة خمس عشرة ومائتين. انظر "طبقات النحويين واللغويين" ص ١٥٦، "تاريخ بغداد" ٩/ ٧٧، "إبناه الرواة" ٢/ ٣٠.
(١١) ذكره أبو علي في "الحجة" ١/ ١٧٩، ونحوه عند الأزهري قال: هذا قول أبي زيد (راب) ١٥/ ٢٥٢، ولم أجده في "نوادر أبي زيد".
(١٢) انظر: "تهذيب اللغة" (راب) ٢/ ١٣٠٦ - ١٣٠٧، "الصحاح" (ريب) ١/ ١٤١، "اللسان" (ريب) ٣/ ١٧٨٨ - ١٧٨٩.
(١٣) انظر: شرح أشعار الهذليين: ١/ ٢٠٧، الحجة لأبي على: ١/ ١٨٠، وتهذيب اللغة (أتى) ١/ ١١٦ - ١١٧، "المخصص" ١٢/ ٣٠٣، ١٤/ ٢٤، ٢٨، والصحاح: ١/ ١٤١، واللسان: (ريب) ٣/ ١٧٨٨ - ١٧٨٩، والخزانة: ٥/ ٨٤، وشرح أشعار الهذليين، للسكري ١/ ٢٠٧، والخزانة، للبغدادي ٥/ ٧٦ - ٨٦.
وخالد بن زهير الهذلي أحد شعراء الهذليين المشهورين عشق امرأة كان يأتيها أبو ذؤيب الهذلي خاله، وجرت بينهما أشعار في ذلك منها، "بيت الشاهد" وقتل خالد بسبب تلك المرأة في قصة طويلة، وفي البيت يخاطب أبا ذؤيب، والأبيات في أشعار الهذليين وتمامه:
يا قوم ما بال أبي ذؤيب ... كنت إذا أتوته من غيب
يشم عطفي ويمس ثوبي ... كأنني قد ربته بريب
انظر الهذليين ١/ ١٦٥. ورواية اللسان: (ريب):
يا قوم ما لي وأبا ذؤيب ... كنت إذا أتيته من غيب
يشم عطفي ويبزّ ثوبي ... كأنني أربته بريب
وأتوته: لغة في أتيته.

<<  <  ج: ص:  >  >>