للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنّني أربته بريب

قال الواحدي: " والحذاق على الفرق بينهما" (١).

وقال الأزهري: "والقول في (راب وأراب) قول أبي زيد حسن" (٢).

واختلف في قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢]، على ثلاثة أقوال:

أحدهما: أنها جملة خبرية تفيد النفي، والمعنى: "ليس فيه ريب أبداً" (٣)،

والثاني: وقيل: أن الخبر هنا بمعنى النهي. أي "لا ترتابوا فيه" (٤)، ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} [البقرة: ١٩٧]، أي: "لا ترفثوا ولا تفسقوا" (٥).

والذي أوجب أن يفسروا النفي بمعنى النهي قالوا: لأنه قد حصل فيه ريب من الكفار، والمنافقين؛ قال تعالى: {فهم في ريبهم يترددون} [التوبة: ٤٥]؛ فلا يستقيم النفي حينئذ؛ وتكون هذه القرينة الواقعية من ارتياب بعض الناس في القرآن قرينةً موجبة لصرف الخبر إلى النهي (٦).

والثالث: وقيل: أنه مخصوص والمعنى: لا ريب فيه عند المؤمنين (٧). قال ابن عطية: "وهذا ضعيف" (٨).

والقول الأول أبلغ، ويدل عليه الظاهر (٩). والله أعلم.

قال الراغب: " إن قيل: كيف نفى الريب عنه، وقد علم تشكك كثير من الناس فيه؟ قيل: في ذلك أجوبة:

الأول: إن ذلك نفي على معنى النهي نحو قوله: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، بدلالة قوله: {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} وقوله: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}

فإن قيل: الشك لا يقصده الإنسان، فكيف ينهى عنه؟ قيل: اللفظ لذلك، والمعنى حث على التدبر والتفكر النافيين للشك.


(١) التفسير البسيط: ٢/ ٣٨.
(٢) التهذيب: ٢/ ١٣٠٦.
(٣) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٢٧.
(٤) تفسير ابن كثير: ١/ ١٦٢.
(٥) تفسير البغوي: ١/ ٥٩.
(٦) أنظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٢٧.
(٧) ينظر: المحرر الوجيز: ١/ ٨٣.
(٨) المحرر الوجيز: ١/ ٨٣.
(٩) قال الشيخ ابن عثيمين: "فإن قال قائل: ما وجه رجحانه؟
فالجواب: أن هذا ينبني على قاعدة هامة في فهم وتفسير القرآن: وهي أنه يجب علينا إجراء القرآن على ظاهره، وأن لا نصرفه عن الظاهر إلا بدليل، مثل قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: ٢٢٨]، فهذه الآية ظاهرها خبر؛ لكن المراد بها الأمر؛ لأنه قد لا تتربص المطلقة؛ فما دمت تريد تفسير القرآن الكريم فيجب عليك أن تجريه على ظاهره إلا ما دلّ الدليل على خلافه؛ وذلك؛ لأن المفسر للقرآن شاهد على الله بأنه أراد به كذا، وكذا؛ وأنت لو فسّرت كلام بشر على خلاف ظاهره لَلامَكَ هذا المتكلم، وقال: "لماذا تحمل كلامي على خلاف ظاهره! ليس لك إلا الظاهر"؛ مع أنك لو فسرت كلام هذا الرجل على خلاف ظاهره لكان أهون لوماً مما لو فسرت كلام الله؛ لأن المتكلم. غير الله. ربما يخفى عليه المعنى، أو يعييه التعبير، أو يعبر بشيء ظاهره خلاف ما يريده، فتفسره أنت على ما تظن أنه يريده؛ أما كلام الله عزّ وجلّ فهو صادر عن علم، وبأبلغ كلام، وأفصحه؛ ولا يمكن أن يخفى على الله عزّ وجلّ ما يتضمنه كلامه؛ فيجب عليك أن تفسره بظاهره ..
فقوله تعالى: {لا ريب فيه}: ظاهرها أنها جملة خبرية تفيد النفي؛ والمعنى: ليس فيه ريب أبداً؛ وقيل: إن الخبر هنا بمعنى النهي؛ فمعنى: {لا ريب فيه}: لا ترتابوا فيه؛ والذي أوجب أن يفسروا النفي بمعنى النهي قالوا: لأنه قد حصل فيه ريب من الكفار، والمنافقين؛ قال تعالى: {فهم في ريبهم يترددون} [التوبة: ٤٥]؛ فلا يستقيم النفي حينئذ؛ وتكون هذه القرينة الواقعية من ارتياب بعض الناس في القرآن قرينةً موجبة لصرف الخبر إلى النهي؛ ولكننا نقول: إن الله تعالى يتحدث عن القرآن من حيث هو قرآن. لا باعتبار من يتلى عليهم القرآن.؛ والقرآن من حيث هو قرآن لا ريب فيه". [تفسير ابن عثيمين: ١/ ٢٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>