للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه يقال: رابني كذا، إذا تحققت منه الريبة، وأرابني: أوهمني الريبة.

قال الشاعر (١):

أَخُوكَ الَّذِي إِنْ رِبْتَهُ قَالَ إِنَّمَا ... أَرَبْتَ وَإِنْ عَاتَبْتَهُ لَانَ جَانِبُهُ

فالقرآن لا ريب فيه، وإن كان فيه ارتياب من بعض الكفار.

والثالث: أنه يقال: هذا لا ريب فيه، والقصد إلى أنه حق، تنبيهاً أن الريب يرتفع عن عند التدبير والتأمل.

والرابع: أنه لا ريب في كونه مؤلفاً من حروف التهجي وقد عجزتم عن معارضته.

والخامس: لا ريب فيه للمتقين، ويكون خبر {لا ريب فيه} قوله تعالى: {للمتقين} و {هدى}، نصب على الحال أو خبر ابتداء مضمر في موضع الحال" (٢).

قوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢]، " أي هادٍ للمؤمنين المتقين" (٣).

قال البغوي: " أي رشد وبيان لأهل التقوى" (٤).

قال القاسمي: " أي: هاد لهم ودالّ على الدين القويم المفضي إلى سعادتي الدارين" (٥).

قال الواحدي: " ومعنى الهدى: البيان، لأنه قد قوبل به الضلال في قوله عز وجل {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: ١٩٨]، أي: من قبل هداه" (٦).

وقال ابن عطية:{هُدىً}، معناه رشاد وبيان" (٧).

وقال الآلوسي: " وخص المتقين بالذكر تشريفاً لهم" (٨).

وقال ابن كثير: " وخصّت الهداية للمتَّقين، كما قال: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: ٤٤]. {وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الإسراء: ٨٢] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن؛ لأنه هو في نفسه هدى، ولكن لا يناله إلا الأبرار، كما قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: ٥٧] " (٩).

وقال الشنقيطي: " قوله تعالى {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، صرح في هذه الآية بأن هذا القرءان {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، ويفهم من مفهوم الآية أعني مفهوم المخالفة المعروف بدليل الخطاب أن غير المتقين ليس هذا القرءان هدى لهم وصرح بهذا المفهوم في آيات أخر كقوله: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: ٤٤]، وقوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: ٨٢]،


(١) أَي إِن فعلت مَعَه مَا يُوجب شكه فِي مودتك رَاجع نَفسه. وَقَالَ: إِنَّمَا قربني من الشَّك وَلم أَشك فِيهِ. أَي التمس لَك الْعذر.
(٢) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٧٦.
(٣) صفوة التفاسير: ١/ ٢٦.
(٤) تفسير البغوي: ١/ ٦٠.
(٥) محاسن التأويل: ١/ ٢٤٣.
(٦) التفسير البسيط: ٢/ ٤٧، وانظر: الحجة للقراء السبعة: ١/ ١٨٦، وانظر: تفسير الطبري" ١/ ٩٨، ومعاني القرآن للزجاج ١/ ٣٣، وتفسير أبي الليث: ١/ ٩٠.
ولـ (الهدى) معنايان:
- الهدى العام (هداية بيان): وهو هدى الدلالة والدعوة والإرشاد، قال قال الله تعالى: "ولكل قوم هاد" [الرعد: ٧]. وقال: "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم" [الشورى: ٥٢].فأثبت لهم الهدى الذي معناه بيان الطريق المستقيم، ومنه قوله تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ) أي بيّنا لهم الطريق على لسان صالح.
- الهدى الخاص (هداية التوفيق): ومعناه التأييد والتوفيق الإلهي لهداية العبد إلى مرضاه، قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: ٥٦]، وقوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: ١٧٨]، وقال "أولئك على هدى من ربهم" [البقرة: ٥] وقوله: "ويهدي من يشاء" [فاطر: ٨].
يتضح من المعنيين أن (هداية الدعوة والبيان) عامة للمؤمن والكافر، ويصح إسنادها إلى الله وغير الله، أما (هداية التوفيق) فهي خاصة فلا تسند إلا لله تعالى لأنها ليست من مقدور غير الله بل هي من مقدورات القادر سبحانه وتعالى.
(٧) المحرر الوجيز: ١/ ٨٤.
(٨) روح المعاني: ١/ ٢٣.
(٩) تفسير ابن كثير: ١/ ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>