للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥)} [التوبة: ١٢٤ - ١٢٥]، وقوله تعالى: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة: ٦٤] الآيتين (١)، ومعلوم أن المراد بالهدى في هذه الآية الهدى الخاص الذي هو التفضل بالتوفيق إلى دين الحق لا الهدى العام الذي هو إيضاح الحق" (٢).

وقال السعدي: " والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة، وقال {هُدًى} وحذف المعمول، فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية، ولا للشيء الفلاني، لإرادة العموم، وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية، ومبين للحق من الباطل، والصحيح من الضعيف، ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم، في دنياهم وأخراهم، وقال في موضع آخر: {هُدًى لِلنَّاسِ} فعمم، وفي هذا الموضع وغيره {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق. فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا، ولم يقبلوا هدى الله، فقامت عليهم به الحجة، ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر، لحصول الهداية، وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه، بامتثال أوامره، واجتناب النواهي، فاهتدوا به، وانتفعوا غاية الانتفاع. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية، والآيات الكونية" (٣).

قال الناصر في الانتصاف: الهدى يطلق في القرآن على معنيين:

أحدهما: الإرشاد وإيضاح سبيل الحق، ومنه قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت: ١٧]. وعلى هذا يكون الهدى للضالّ باعتبار أنه رشد إلى الحق، سواء حصل له الاهتداء أو لا.

والآخر: خلق الله تعالى الاهتداء في قلب العبد، ومنه أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: ٩٠]، فإذا ثبت وروده على المعنيين فهو في هذه الآية يحتمل أن يراد به المعنيان جميعا" (٤).

وعلى القول الأول، فتخصيص الهدى بالمتقين للتنويه بمدحهم حتى يتبيّن أنهم هم الذين اهتدوا وانتفعوا به، كما قال تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها [النازعات: ٤٥]، وقال إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ [يس: ١١]، وقد كان، صلى الله عليه وآله وسلّم، منذرا لكل الناس، فذكر هؤلاء لأجل أنهم هم الذين انتفعوا بإنذاره. وهذه الآية نظير آية: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى، أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت: ٤٤]، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الإسراء: ٨٢]. وكقوله عالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: ٥٧]، إلى غير ذلك، مما دلّ على أن النفع به لا يناله إلا الإبرار. والمراد بالمتقين- هنا- من نعتهم الله تعالى بقوله (٥).

واختلف أهل التفسير في معنى قوله تعالى {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢]، على وجوه:

أحدها: معناه: الهدى من الضلالة. قاله الشعبي (٦).

والثاني: نور للمتقين. قاله السدي (٧)، وابن مسعود (٨).

والثالث: تبيانا للمتقين. قاله سعيد بن جبير (٩).

كما وتعددت أقوال أهل التفسير في معنى قوله تعالى: {لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢]، وذكروا وجوها:


(١) الآيتين: ٦٤ - ٦٥ من سورة المائدة.
(٢) أضواء البيان: ١/ ١٠.
(٣) تفسير السعدي: ١/ ٤٠.
(٤) الإنتصاف: ١/ ٣٥.
(٥) أنظر محاسن التأويل: ١/ ٢٤٣ - ٢٤٤.
(٦) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٧): ص ١/ ٣٤، وتفسير الطبري (٢٥٩): ص ١/ ٢٢٩ - ٢٣٠.
(٧) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٨): ص ١/ ٣٤.
(٨) تفسير الطبري (٢٦٠): ص ١/ ٢٣٠.
(٩) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٩): ص ١/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>