للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: المتقون: " قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا لله العبادة فيمرون إلى الجنة". قاله معاذ بن جبل (١)، وري عن ابن عباس (٢) مثل ذلك.

الثاني: التقوى ترك ما لا بأس فيه حذرا لما به البأس. رواه عطية بن السعدي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٣).

والثالث: المتقون: " أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته بالتصديق بما جاء منه". قاله ابن عباس (٤).

الرابع: المتقون: "هم المؤمنون". قاله السدي (٥)، وابن مسعود (٦)، وروي عن قتادة (٧) مثل ذلك.

والخامس: هم الذين يجتنبون الكبائر. حكي ذلك عن الكلبي (٨).

والسادس: هم الذين "اتَّقَوْا ما حُرِّم عليهم، وأدَّوا ما افتُرِض عليهم". قاله الحسن (٩).

والسابع: وقيل معناه: هدى للمتقين والكافرين، فاكتفى بأحد الفريقين من الآخر، كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ] وقوله: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمران: ١١٣] أراد وأخرى غير قائمة. وقال أبو ذؤيب (١٠):

عصاني إليها القلب إني لأمره ... فَمَا أَدْرى أَرُشْدٌ طِلابُهَا

وأراد: أم غيّ (١١).

والدليل على هذا: أنه قال في موضع آخر: {هُدًى لِّلنَّاسَ} [آل عمران: ٤] (١٢)، فجعله هدى للناس عاما، على أنه ليس في الإخبار أنه {هُدًى للِمُتَّقِينَ} ما يدل على أنه ليس هدى لغيرهم (١٣).

والراجح أن المراد عموم التقوى، فالمتقون هم "الذين يتقون الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، كان ذلك وقاية بينهم وبين عذاب الله" (١٤)، قال الطبري: "وأولى التأويلات بقول الله جل ثناؤه {هدى للمتقين}، تأويلُ من وصَف القومَ بأنهم الذين اتَّقوُا اللهَ تبارك وتعالى في ركوب ما نهاهم عن ركوبه، فتجنبوا معاصِيَه، واتَّقوْه فيما أمرهم به من فرائضِه، فأطاعوه بأدائها" (١٥).

قال ابن عاشور: " في بيان كون القرآن هدى وكيفية صفة المتقي معان ثلاثة:

الأول: أن القرآن هدى في زمن الحال لأن الوصف بالمصدر عوض عن الوصف باسم الفاعل وزمن الحال هو الأصل في اسم الفاعل والمراد حال النطق. والمتقون هم المتقون في الحال أيضا لأن اسم الفاعل حقيقة


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٦١): ص ١/ ٣٥.
(٢) أنظر: تفسير الطبري (٢٦٦): ص ١/ ٢٣٣.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٠): ص ١/ ٣٥. والترمذي، كتاب صفة القيامة ٤/ ٥٤٧، رقم (٢٤٥١)، وقال: هذا حديث حسن غريب.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٢): ص ١/ ٣٥، وأخرجه الطبري في تفسيره (٢٦٢): ص ١/ ٢٣٢.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٣): ص ١/ ٣٥.
(٦) أنظر: تفسير ال\بري (٢٦٣): ص ١/ ٢٣٣.
(٧) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٦٤): ص ١/ ٣٥، والطبري (٢٦٥): ص ١/ ٢٣٣. ولفظه: " الذين يؤمنون بالغيب".
(٨) أنظر: تفسير الطبري (٢٦٤): ص ١/ ٢٣٣.
(٩) أنظر: تفسير الطبري (٢٦١): ص ١/ ٢٣٢.
(١٠) ورد البيت عند الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٢٣٠، وابن قتيبة في "المشكل" ص ٢١٥، والسكري في "شرح أشعار الهذليين" ١/ ٤٣، وابن هشام في "مغني اللبيب" ١/ ١٤، ٤٣، ٢/ ٦٢٨، والبغدادي في "خزانة الأدب" ١١/ ٢٥١.
وهو خويلد بن خالد الهذلي، شاعر مجيد مخضرم، أدرك الإسلام وقدم المدينة عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم، توفي في غزوة افريقية مع ابن الزبير، انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٤٣٥، "الاستيعاب" ٤/ ٦٥، "معجم الأدباء" ٣/ ٣٠٦، "الخزانة" ١/ ٤٢٢.
قول: إن قلبه عصاه فلا يقبل منه، فيذهب إليها قلبه سفها، فأنا اتبع ما يأمرني به، فما أدرى أرشد أم غي.
(١١) القول لأبن الأنباري، أنظر: مغني اللبيب: ١/ ١٤، ٤٣، ٢/ ٦٢٨، ونقله عنه الواحدي في التفسير البسيط: ٢/ ٥٤ - ٥٥، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ولم ينسبه لابن الأنباري ١/ ٢٤.
(١٢) كما ورد هذا في ذكر الكتاب الذي أنزل على موسى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} [الأنعام: ٩١].
(١٣) انظر: التفسير البسيط: ٢/ ٥٥.
(١٤) المحرر الوجي: ١/ ٨٤.
(١٥) تفسير الطبري: ١/ ٢٣٣ - ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>