تدور مادة البيان في اللغة حول معنيين اثنين هما: الفصاحة واللسن، والكشف والإيضاح، فيقال: فلان أبين من فلان، أي: أفصح منه وأوضح كلاماً، وكلام بين أي فصيح، وإذا ما دققت في هذين المعنيين وجدت صلة قوية بينهما، فأنت إذا ما كنت فصيحاً لسناً كان في استطاعتك أن تعبر عما في نفسك من أفكار، فتكشفها وتوضحها، ولهذا فإن في استطاعتك أن تقول: إن البيان في اللغة هو الكشف والإيضاح.
واما في اصطلاح البلاغيين فإنه "علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه".
وهم يريدون "بالعلم" الملكة التي يقتدر بها على إدراكات جزئية، أو نفس القواعد والأصول المعلومة، ويريدون "بالمعنى": كل معنى واحد يدخل تحت قصد المتكلم، كالكرم، والشجاعة، والإيمان، "فأل" في لفظ "المعنى" للاستغراق العرفي، وليست للاستغراق الحقيقي، لأن استحضار جميع المعاني - وهي غير متناهية - فوق مقدور البشر.
وقيدوا المعنى بـ "الواحد" ليحترزوا به عن المعاني المتعددة التي تؤدي بطرق متفاوتة في وضوح الدلالة على معانيها، وذلك كأن يكون تركيب في معناه أوضح دلالة من تركيب آخر في معناه، كأن تعبر عن معنى "الكرم" بقولك: "محمد كالبحر في العطاء"، ثم تعبر عن معنى الشجاعة بقولك:"استمعت إلى أسد يخطب"، فالتركيب الأول - في معناه - وهو:(الكرم) أوضح دلالة من الثاني - في معناه - وهو:(الشجاعة)، وهذا ليس من علم البيان في شيء؛ لأن المعنى في العبارتين مختلف، والشرط أن يكون المعنى في عبارتين واحداً.
ومعنى "إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في الوضوح"، أن يعبر عنه بجملة من التراكيب، بعضها أوضح دلالة عليه من بعض، سواء أكانت هذه التراكيب من قبيل التشبيه، أو من قبيل المجاز، أو من قبيل الكناية، فالمعنى الواحد كالكرم -