(أ) الإباحة: واستعمال صيغة الأمر في الإباحة إنما يكون في مقام يتوهم السامع فيه حظر شيء عليه؛ وذلك لاشتراكها هي والأمر في مطلق الإذن، فهو مجاز مرسل من إطلاق الأخص على الأعم، ومن ذلك قولك:"جالس محمدًا أو عليًا"، و"ذاكر الأدب أو البلاغة"؛ ومن أحسن ما جاء فيه: قول كثير عزة:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلت
ووجه حسنه إظهار الرضا بوقوع أحد الأمرين حتى كأنه مطلوب، يقول: مهما اخترت في حقي من الإساءة والإحسان فأنا راضٍ به غاية الرضا، فعامليني بهما وانظري؛ هل تتفاوت حالي معك في الحالين؟
ومنه قول شوقي عن النفس:
ضمي قناعك بإسعاد أو ارفعي ... هذي المحاسن ما خلقن لبرقع
الضاحيات الضاحكات ودونها ... ستر الجلال وبعد شأو المطلع
(ب) التهديد: وذلك في مقام عدم الرضا بالمأمور به، فاستعمال صيغة الأمر في التهديد مجاز؛ علاقته ما بينهما من شبه التضاد، وذلك لأن المأمور به إما أن يكون واجبًا، أو مندوبًا، والمهدد عليه إما أن يكون حرامًا، أو مكروهًا، ومنه قوله تعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[فصلت: ٤٠].
(ج) التعجيز: وذلك في مقام إظهار عجز من يدعي القدرة على ما يعجز عنه؛ فاستعمال صيغة الأمر في التعجيز مجاز؛ علاقته ما بينهما من شبه التضاد وذلك لأن الأمر في الممكنات، والتعجيز في المستحيلات؛ ومنه قول الله تعالى:{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة: ٢٣]؛ وإنما كان تعجيزًا لأن الإتيان بسورة من مثله فوق مقدورهم وطاقتهم.
ومنه قول مهلهل بن ربيعة:
يا لبكرٍ انشروا لي كليبًا ... يا لبكر أين أين الفرار؟ !
فالأمر هنا يقصد به التعجيز؛ لأن المقصود هو: إعادة الحياة إلى كليب؛ وذلك فوق مقدورهم.