فقد أراد الحارث أن يقول: والعيش الناعم الهنئ في ظل الجهل خير من العيش الشاق العسير في ظل العقل؛ ولكن اللفظ لم يف بالمعنى بل أخل به.
[أقسام الإيجاز]
ينقسم الإيجاز إلى قسمين:
القسم الأول: إيجاز القصر؛ وهو: أن يقصد فيه إلى الإكثار في المعنى من غير أن يكون في التركيب حذف، ومن ذلك قول الله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩]؛ فإن معناه كثير ولفظه قليل، ولا حذف فيه، فلو أن كاتبًا بليغًا كتب مقالًا يصور لنا فيه آثار القصاص وما يجنيه المجتمع من ورائه من منافع ما استطاع أن يصور ما صوره القرآن الكريم في هاتين الكلمتين:{الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وإن هاتين الكلمتين لتوحيان إلينا بصور متعددة متتابعة: من باعث القتل والتعدي، ثم القتل، ثم رفع الأمر إلى السلطان، ثم القصاص، ثم خوف المعتدين بعد ذلك من أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم، ثم الإحجام عن القتل بغير الحق، ثم حقن الدماء وحفظ حياة الإنسان.
وقد كان للعرب كلمات يعجبون بها ويعدونها من أوابد كلامهم؛ وهي:"القتل أنفى للقتل" لما نزلت آية القرآن الكريم، تضاءلت أمامها حكمة العرب، وظهر فيها ضعف المخلوق أمام جبروت الخالق؛ فقد تميزت الآية الكريمة على القول المأثور بما يلي:
١ - أن النص الكريم أقل حروفًا من القول المأثور.
٢ - أن في الآية الكريمة نصًا وتصريحًا بالمطلوب؛ وهو:(الحياة) والتصريح به أدعى إلى القول وأعون على ترغيب الناس فيه والحرص عليه.
٣ - ما يفيده تنكير (حياة) من معنى التعظيم.
٤ - أن النص الكريم عاد مطرد؛ إذ القصاص مطلقًا في كل وقت ومع كافة الأفراد المكلفين سبب الحياة، أما النص العربي فليس في ظاهره مطردًا، إذ