وإنما نزل هذا القسم منزلة الواحد لأن الوجه مركب فيه من مجموع أمور تضامت وتلاصقت حتى صارت كالشيء الواحد، ولم يكن واحداً حقيقة لأنه مركب من عدة أمور، ولا تركيب في الشيء الواحد.
٣ - ما كان وجه الشبة متعدداً:
وهو ما كان عدة أمور، جعل كل واحد منها وجه شبه على حدة، وذلك كقولك:"هذه القناة كأختها في الرشاقة، والجمال، والحياء"، وقولك:"هذه الفاكهة كالتي أكلناها طعماً، ولوناً، ورائحة" وقولك: "محمد كأخيه علماً، وخلقاً وشهامة".
فإن وجه الشبه - كما رأيت - أمور متعددة، يصلح كل واحد منها أن يكون وجه الشبه على حدة.
وليس القصد إلى هيئة مركبة من هذه الأمور مجتمعة، ولكن القصد إلى واحد منها فقط.
هذا وإذا ما عرفت أن الوجه المركب ينظر فيه إلى مجموع أمور تضامت وتلاصقت والى الهيئة المركبة منها بحيث صارت واحدة لا تتجزأ، وبحيث لو حذف أحد هذه الأمور لاختل التشبيه، وإذا ما عرفت - أيضاً - أن الوجه المتعدد ينظر فيه إلى أمور متعددة، وجعل كل منها على حدة وجه شبه بحيث لو حذف واحد منها أو قدم أواخر لم يختل نظام التشبيه، ولم يتغير حال الباقي في إفادة ما كان يفيده من قبل إذا ما عرفت ذلك: فقد عرفت الفرق جلياً بين الوجه المركب، والوجه المتعدد.
وخير ما يبين لك الفرق بين الوجه الركب والوجه المتعدد قول الشاعر:
كما أبرقت قوماً عطاشاً غمامة ... فلما رأوها أقشعت وتجلت
فقد شبه الشاعر حال من ظهر له شيء هو في أشد الحاجة إليه وقد علق به رجاءه، ثم ما لبث أن فوجئ بفقدان هذا الشيء أو بذهابه إلى حيث لا أمل له فيه ولا رجاءه منه، شبه ذلك بحال قوم عطاش عنت لهم غمامة، هم أشد ما يكونون