وثانيهما: ما تكون الكناية في مجموع معان مختلفة يضم بعضها إلى بعض لتكون جملتها مختصة بالموصوف، كما يقال في الإنسان:"حي، مستوى القامة، عريض الأظفار"، فالكتابة مجموع هذه المعاني من الحياة، واستواء القامة وعرض الأظفار، لا كل واحد، وهذه المعاني مجتمعة، وصف خاص بالإنسان.
والقسم الثالث: كناية عن نسبة، وهي: ما صرح فيها بالموصوف وبالصفة ولم يصرح فيها بالنسبة بينهما، ولكن ذكر مكانها نسبة أخرى تستلزمها؛ سواء أكانت النسبة إثباتاً أو نفياً.
فمثالها في الإثبات قولهم:"المجد بين برديه"، كناية عن إثبات المجد للممدوح، فقد صرح في هذه الكناية بالموصوف، وهي ضمير الممدوح، كما صرح بالصفة، وهي:"المجد" ولكن لم يصرح فيها بنسبة المجد إليه، وإنما ذكر مكانها نسبة المجد إلى بردية إثباتاً، وهي تستلزم نسبة المجد إليه.
ومنه قول الشاعر:
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج
فقد كنى عن إثبات هذه الصفات الثلاثة: السماحة، والمروءة، والندى للممدوح بإثباتها لقبة ضربت عليه، لأنه إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبت له، لاستحالة قيام الأمر بنفسه، ووجوب قيامه بمحل صالح له.
ومثالها في النفي قول الشنفري، يصف امرأة بالعفة والنزاهة:
ببيت بمنجاة من اللوم بيتها ... إذا ما بيوت بالملامة حلت
فقد صرح بالموصوف، وهو: الضمير في "بيتها" وصرح بالصفة، وهي اللوم المنفي في قوله:"بمنجاة من اللوم"، ولكن لم يصرح بنسبة نفي اللوم عنها، ولكن ذكر مكانها نسبة أخرى وهي نفي اللوم عن بيت يحتويها، وهو يستلزم نفي اللوم عنها.
هذا وقد سمى السكاكي بعض أنواع الكناية بأسماء تختلف باختلاف الاعتبارات وهي عنده أربع أنواع: تعريض، وتلويح، ورمز، وإيماءة أو إشارة