للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذا المعنى كان أشد الناس عذابًا من قتل نبيًّا؛ لأنّه سعى في الأرض بالفساد، ومن قتل عالمًا فقد قتل خليفة نبي، فهو ساع في الأرض بالفساد أيضاً، ولهذا قرن الله بين قتل الأنبياء وقتل العلماء الآمرين بالمعروف في قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (١).

وقال عكرمة وغيره من السلف في قوله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (٢) مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَامَ عَدْلٍ قَالَ: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ شَدَّ عَلَى عَضُدَ نَبِيٍّ أَوْ إِمَامِ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.

قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ".

وقد رُوِي هذا المعنى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاً من حديث معاذ وأبي الدرداء (٣)، ولكن إسنادهما منقطع.

وفي هذا المثل تشبيه للعالم بالقمر ليلة البدر، وهو نهاية كماله، وتمام نوره، وتشبيه للعابد بالكواكب، وأن بين العالم والعابد من التفاوت في الفضل ما بين القمر ليلة البدر والكواكب، والسر في ذلك -والله أعلم- أن الكوكب ضوءه لا يعدو نفسه، وأما القمر ليلة البدر فإن نوره يشرق على أهل الأرض جميعًا، فيعمهم نوره فيستضيئون بنوره، ويهتدون به في مسيرهم.


(١) آل عمران: ٢١.
(٢) المائدة: ٣٢.
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ١٩٦)، والترمذي (٢٦٨٢) من حديث أبي الدرداء، وقال أبو عيسى: ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة، وليس هو عندي بمتصل، هكذا حدثنا محمود بن خداش بهذا الإسناد، وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن الوليد بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا أصح من حديث محمود بن خداش، ورأي محمد بن إسماعيل هذا أصح.

<<  <   >  >>