وقسم آخرون تشبهوا بأحد القسمين، وأظهروا للناس أنّهم منهم، وأن قصدهم التزود للرحيل، وإنما كان قصدهم استيطان دارهم الفانية.
وهم العلماء والعباد المراءون بأعمالهم؛ لينالوا بذلك مصالح دارهم التي هم بها مستوطنون، وحال هؤلاء عند الملك الأعظم إذا قدموا عليه شر حال، ويقال لهم: اطلبوا جزاء أعمالكم ممن عملتم لهم، فليس لكم عندنا من خلاف، وهم أول من تسعر بهم النار من أهل التوحيد.
وقسم آخرون فهموا ما أراده الرسول من رسالة الملك، لكنهم غلب عليهم الكسل والتقاعد عن التزود للسفر.
واستصحاب ما يحب الملك، واجتناب ما يكرهه.
وهؤلاء العلماء الذين لا يعملون بعلمهم، وهم على شفا هلكة، وربما انتفع غيرهم بمعرفتهم ووصفهم لطريق السير، فسار المتعلمون فنجوا، وانقطع بمن تعلموا منهم الطريق فهلكوا.
وقسم آخرون صدقوا الرسول فيما دعا إِلَيْهِ من دعوة الملك، لكنهم لم يتعلموا منه طريق السير، ولا معرفة تفاصيل ما يحبه الملك وما يكرهه، فساروا بأنفسهم، ورموا نفوسهم في طرق شاقة، ومخاوف وقفار وعرة، فهلك أكثرهم، وانقطعوا في الطريق، ولم يصلوا إلى دار الملك.
وهؤلاء هم الذين يعملون بغير علم.
وقسم لم يهتموا بهذه الرسالة، ولا رفعوا بها رأسًا، واشتغلوا بمصالح إقامتهم في أوطانهم التي أخبر الرسول بخرابها.
وهؤلاء: منهم من كذب الرسول بالكلية ومنهم من صدقه بالقول ولكنه لم يشتغل بمعرفة ما دل عليه ولا بالعمل به، وهؤلاء عموم الخلق المُعْرِضُون عن العِلْم والعمل.