قرة العين من جملة النعيم، فمنه ما هو منقطع، ومنه ما لا ينقطع، فمن قرت عينه بالدنيا، فقرة عينه منقطعة وأيضًا فسرورها لا يدوم؛ لأنّ لذاتها مشوبة بالفجائع والتنغيص. وكيف تقر عين المؤمن في الدُّنْيَا وهو يعلم سرعة انقضائها، ومفارقة ماله فيها من أهل وولد ومال، ويعلم ما يعالجه عند مفارقتها من سكرات الموت، وما يلقاه في البرزخ من الوحشة والوحدة والضيق، ثم ما يخشاه يوم القيامة من العذاب؟!
قال بعض السلف: ما ترك الموت للمؤمن قرة عين في أهل ولا مال ولا ولد. وقال مطرف: إِنَّ هذا الموت قد أفسد عَلَى أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيمًا لا موت فيه.
وقال بضع السلف: عجبًا لمن يوقن بالموت، كيف تقر بالدنيا عينه، أم كيف يطب فيها عيشه؟!
ونظر بعضهم إِلَى دار له حسنة، فبكى وقال: والله، لولا الموت لكنت بك مسرورًا، ولولا ما نصير إِلَيْهِ من ضيق القبور لقرت أعيننا بالدنيا، ثم بكى حتى ارتفع صوته.
رأى بعض السلف في منامه قائلًا يقول له:
وكيف تنام العين وهي قريرة ... ولم تدر في أي المحلين تنزل
فلا تقر عين المؤمن في الدُّنْيَا إلا بالله عز وجل، وذكره ومحبته والأنس به، ومن قرت عينه باللَّه، فقد حصلت له قرة العين التي لا تنقطع في الدُّنْيَا ولا في البرزخ ولا في الآخرة، وقرت به عيون المؤمنين، كما قال بعضهم: من قرت عينه بالله قرت به كل عين.
كان حبيب العجمي يخلو في بيته ثم يقول: ومن لم تقر عينه بك فلا قرت، ومن لم يأنس بك فلا أنس.