للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتارة يتمناه خشية فتنة في الدين، فهذا جائز عند أكثر العُلَمَاء، وقد تمناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في آخر حجة حجها فإنه قال: "اللهم إنه قد كبرت سني ورق عظمي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إلك غير مضيع ولا مفتون" (١). فقتل في ذلك الشهر.

وتمنت زينب بنت جحش رضي الله عنها لما جاءها عطاء عمر فاستكثرته وقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعدها، فماتت قبل أن يدركها عطاء ثانٍ لعمر.

وسأل عمر بن عبد العزيز من ظن به إجابة الدعاء أن يدعو له بالموت، لما ثقلت عليه الرعية، وخشي العجز عن القيام بحقوقهم.

وطُلِبَ كثير من السلف الصالح إِلَى بعض الولايات؛ فدعوا لأنفسهم بالموت فماتوا، واشتهر بعضهم واطلع عَلَى بعض عمل أحدهم أو معاملته مع الله فدعا لنفسه بالموت فمات، وفي الحديث: "وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ" (٢).

وفي "المسند" (٣) عن محمود بن لبيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ".

وقال ابن مسعود وغيره: ما من بر ولا فاجر إلا والموت خير له إِنَّ كان برًّا، فما عند الله خير للأبرار.

وإن كان فاجرًا، فإنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا.


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (٢/ ٨٢٤)، وأبو نعيم في "الحلية" (١/ ٥٤).
(٢) أخرجه الترمذي (٣٢٣٣) من طريق أبي قلابة عن ابن عباس. قال أبو عيسى: وقد ذكروا بين أبي قلابة وابن عباس في هذا الحديث رجلاً، وقد رواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس، وأحمد في "المسند" (٥/ ٢٤٣) من حديث معاذ بن جبل.
(٣) (٥/ ٤٢٧) قال الهيثمي في "المجمع" (٢/ ٣٢١): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

<<  <   >  >>