للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمثَّل المحرَّمات في هذا الحديث بالحمى، وهو ما يحميه الملوك وتمنع من قُربانه، وجعل الحلال بيِّنًا والحرام بيِّنًا، ومُراده: الحلال المحض والحرام المحض؛ فإنَّ لكل منهما حُدودًا معروفة في الشريعة، وجعل بينهما أمورًا مشتبهة عَلَى كثير من الناس، لا يدرون هل هي من الحلال أم من الحرام، فدَّل عَلَى أنَّ من الناس من لا يشتبه عليه حُكمُها، فيعلم أنَّها حلالٌ أو أنها حرام.

فأمَّا من اشتبه عليه حُكمُها فإنَّ الأولى له أنْ يتقيها ويجتنبها؛ كما قال عُمر: "ذروا الربا والريبة" (١).

وأخبر أنَّه من وقع في الأمور المشُتبهة وقع في الحرام، والمراد: أنَّ نفسَه تدعوه مِن ارتكاب الشبهات إِلَى ارتكاب الحرام.

ومثَّله بالراعي حول الحمى يُوشك أنْ يرتع فيه، فأمَّا من بعُد عن الحِمى فإنَّه ييعُد وقوعُه في الحرام؛ ولهذا قال من قال من السلف: اجعل يينك وبين الحرام شيئًا مِن الحلال.

وفي الحديث المرفوع، الَّذِي خرَّجه "الترمذي" (٢): «لاً يَبْلُغُ العَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لاً بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ البَأْسُ».

وهذه الأمور المشتبهات منها ما يقوى شبهُه بالحرام، ومنها ما ييعُد شبهُه بالحرام، ومنها ما يتردد، الشبهة بين الحلال والحرام.

فالأوَّل يقوى فيه التحريم، والثاني يقوى فيه الكراهة، والثالث يتردد فيه، واجتنابُ الكل حسن، وهو الأفضل والأولى.

وقولُه: "فيهما -يعني: السورين- أبوابٌ مفتحة، وعلى الأبواب سُتور مُرخاة".


(١) أخرجه أحمد (١/ ٣٦)، وابن ماجه (٢٢٧٦).
(٢) برقم (٢٤٥١) قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

<<  <   >  >>