للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الحسن في أيام الوجع: أما والله ما هي بشرِّ أيام المسلم، أيام قورب له فيها أجله، وذكر فيها ما نسي من معاده، وكفر بها من خطاياه (١).

وكان إذا دخل عَلَى مريض قد عوفي قال له: يا هذا! إِنَّ الله قد ذكرك فاذكره، وأقالك فاشكره. فهذه الأسقام والبلايا والأوجاع كلها كفارات للذنوب الماضية ومواعظ للمؤمنين حتى يتعظوا بها، ويرجعوا بها في المستقبل عن سيئ ما كانوا عليه.

قال الفضيل: إِنَّمَا جعلت العلل ليؤدب بها العباد، ليس كل من مرض مات.

وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله عز وجل: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} (٢).

ولبعض المتقدمين:

أفي كل عام مرضت ثم نقهت ... وتنعي ولا تنعى متى ذا إِلَى متى

واعلم أن تمثيل المؤمن بالزرع، وتمثيل المنافق والفاجر بالشجر العظام يشتمل عَلَى فوائد جليلة نذكر ما يسر اللَّه منها.

فمنها أن الزرع ضعيف مستضعف والشجر قوي مستكبر متعاظم، فالشجر لا [يضعف] (٣) من حر ولا برد، ولا من كثرة ماء ولا من ريح، والزرع بخلاف ذلك، وهذا هو الفرق بين المؤمن والكافر، وبين أهل الجنة والنار.

كما في " الصحيحين" (٤) عن حارثة بن وهب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٣/ ٥٠١)، وابن أبي الدُّنْيَا في "المرض والكفارات" (٥٥، ١٤٥).
(٢) التوبة: ١٢٦.
(٣) بياض في "الأصل"، والمثبت أنسب للسياق.
(٤) البخاري (٤٩١٨، ٦٠٧١، ٦٦٥٧)، ومسلم (٢٨٥٣).

<<  <   >  >>