للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الحسن: بئس الرفيقان الدرهم والدينار لا ينفعانك حتي يفارقانك.

وقيل لبعضهم: جمع فلان مالاً، قال: هل جمع عمرًا ينفقه فيه؟ قالوا: لا. قال: ما جمع شيئًا.

جمعت مالاً ففكر هل جمعت له ... يا جامع المال أيامًا تفرقه

المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلا حين تنفقه

من قدم اليوم شيئًا قدم عليه غدًا، ومن لم يقدم شيئًا قدم عَلَى غير شيء، فطال فقره في دار الإقامة.

قال {بعض} (١) السَّلف: ابن آدم، إِنَّمَا تسكن يوم القيامة فيما بنيت، وتنزل يومئذ علي ما نقلت في حياتك من متاعك.

دخلت امرأة عَلَى عائشة قد شلت يدها فقالت: يا أم المؤمنين، بتُّ البارحة صحيحة اليد فأصبحت شلاء! قالت عائشة: وما ذاك؟ قالت: كان لي أبوان موسران، كان أبي يعطي الزكاة ويقري الضيف ويعطي السائل ولا يحقر من الخير شيئًا إلا فعله، وكانت أمي امرأة بخيلة ممسكة، لا تصنع في مالها خيرًا، فمات أبي ثم ماتت أمي بعده بشهرين، فرأيت البارحة في منامي أبي وعليه ثوبان أصفران، بين يديه نهر جارٍ، قلت: يا أبه ما هذا؟ قال: يا بنية، من يعمل في هذه الدُّنيا خيرًا يره، هذا أعطانيه الله تعالى. قلت: فما فعلت أمي؟ قال: وقد عماتت أمك؟! قلت: نعم، قال: هيهات! عدلت عنا، فاذهبي فالتمسيها ذات الشمال، فملت عن شمالي، فَإِذَا أنا بأمي قائمة عريانة متزرة بخرقة، بيدها شحيمة تنادي: والهفاه، واحسرتاه، واعطشاه.

فَإِذَا بلغها الجهد دلكت تلك الشحيمة براحتها ثم لحستها، وإذا بين يديها نهر جار، قلت: يا {أماه} (١) ما لك تنادين العطش وبين يديك نهر جار؟! قالت: لا أترك أن أشرب منه. قلت: أفلا أسقيك؟ قالت: وددت أنك فعلت، فغرفت لها غرفة فسقيتها، فلما شربت نادى مناد من ذات


(١) ليست في "الأصل" والسياق يقتضيها.

<<  <   >  >>