يشير إِلَى أنهم يفعلون ما يضرّه ويتركون ما ينفعه؛ فالبكاءُ إذا كان معه ندبٌ أو نوحٌ أو تسخط يُعذَّب به الميت.
وإنَّما يبكون لفقد حظوظهم منه، فبكاؤهم عَلَى أنفسهم لا عَلَى ميتهم.
احتُضر بعضُ الصالحين فبكى أبواه وولده، فسألهم عن بكائهم، فذكر أبواه ما يتعجَّلانه من فقده ووحشتهم بعده.
وذكر ولده ما يتعجلون من فقده ويُتمهم بعده، فَقَالَ: كلُّكم بكى لدنياي، أما منكم من يبكي لآخرتي؟!
أمَا منكم من يبكي لما يلقاه في التراب وجهي؟!
أمَا منكم من يبكي لمسائلة منكر ونكير إياي؟!
أما منكم من يبكي لمقامي بين يدي ربي؟!
ثُم صرخ صرخةً فمات رحمه الله.
وأكثر الورثة لا يُوفون دين مورِّثهم، فيتركونه مرتهنًا محتبسًا بدينه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوم مات منهم ميت:"إِنَّ صَاحِبَكُمْ مُحْتَبَسٌ بِدَيْنِهِ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَأَسْلِمُوهُ أَوْ فُكُّوهُ"(١) أو كما قال.
وبكل حال فليوطِّن الإنسان في الدُّنْيَا نفسه عَلَى مفارقة أهله كما قيل:
أيا فرقة الأحباب لابد لي منك ... ويا دار دنيا إنني راحلٌ عنك
ألا أيّ حي ليس بالموت موقنًا ... وأَيُّ يقين منه أشبه بالشك
ولا ينتفع الميت بعد موته بأهله ولا غيرهم، إلا بالاستغفار له ودعائهم وترحمهم، أو صدقتهم عنه.
(١) أخرجه أحمد (٥/ ١١ و١٣، ٢٠)، وأبو داود (٣٣٤١)، والنسائي من حديث سمرة.