يوافقه عليه غيرهُ، كما نقل عنه في الوطء في المحل المكروه، وأنكره عليه العُلَمَاء. فإن كان هذا محفوظًا عن الشافعي فإنما أراد به أن زمارة الراعي بخصوصها، لا يبلغ سماعُها إِلَى درجة التحريم، فإنه لا طرب فيها، بخلاف المزامير المطربة، كالشبابات المؤصلة، وقد أشار إِلَى ذلك الخطابي وغيره من العُلَمَاء.
وقد سبق حديث عائشة رضي الله عنها وقول أبي بكر رضي الله عنه: مزمور الشيطان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! فقاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ». فدل عَلَى أن الدف من مزامير الشيطان لكنه يُرخص فيه للنساء في أيام الأفراح والسرور، كما يُرخص لهن في التحلي بالذهب والحرير دون الرجال، ويباح للرجال من الحرير اليسير دون الكثير، وكذلك من حلي الفضة. فكذلك يباح للنساء في أيام الأفراح الغناء بالدف، وإن سمع ذلك الرجال تبعًا، وهذا مذهب فقهاء الحديث، كالشافعي وأحمد وغيرهما وهو قول الأوزاعي وغيره، وروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى.
وقد كان طائفة من الكوفيين من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ومن بعدهم لا يُرخصون في شيء من ذلك بحالٍ.
فأما الغناء المرخص فيه، فليس هو الغزل المهيج للطباع، بل هو غناء الركبان ونحوه كما قاله الإمام أحمد وغيره. وقد كان خالد بن معدان -وهو من أعيان التابعين- يأمر بناته ونساءه إذا ضربن بالدفوف أن يتغنين بذكر الله عز وجل.
وإنما يُباح الدف إذا لم يكن فيه جُلجُل (١) ونحوه مما يُصوت عند أكثر العُلَمَاء، نص عليه الإمام أحمد وغيره من العُلَمَاء، كما كانت دفوف العرب عَلَى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد رخص في هذا الدف طائفة من متأخري أصحابنا مطلقًا في العرس وغيره، للنساء دون الرجال.
وأما الآثار الموقوفة عن السَّلف في تحريم الغناء وآلات اللهو فكثيرة جدًا.