للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي رواية أخرى قال فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضًا

وعن ابن عباس قال: إِنَّ الله استبطأ قلوب المهاجرين، فعاتبهم، عَلَى رأس ثلاث عشرة من نُزول القرآن بهذه الآية.

فهذه الآية تتضمن توبيخًا وعتابًا لمن سمع هذا السماع، ولم يُحدث له في قلبه صلاحًا ورقة وخشوعًا، فإن هذا الكتاب المسموع يشتمل علي نهاية المطلوب، وغاية ما تصلح به القلوب، وتنجذب به الأرواح المغلقة بالمحل الأعلى، إلي حضرة المحبوب، فيحيى بذلك القلب بعد مماته، ويجتمع بعد شتاته، وتزول قسوته بتدبر خطابه وسماع آياته، فإن القلوب إذا أيقنت بعظمة ما سمعت، واستشعرت شرف نسبة هذا القول إِلَى قائله، أذعنت وخضعت فَإِذَا تدبرت ما احتوى عليه من المراد ووعت، اندكَّت من مهابة الله وإجلاله وخشعت.

فَإِذَا هطل عليها وابل الإيمان من سُحب القرآن أخذت ما وسعت، فَإِذَا بذر في القرآن حقائق العرفان، وسقاهُ ماء الإيمان أنبتت ما زرعت {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (١) {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (٢).

ومتى فقدت القلوب غذاءها، وكانت جاهلة به طلبت العوض من غيره، فتغذت به، فازداد سقمُها بفقدها ما ينفعها، والتعوض بما يضرها.

فَإِذَا سقمت مالت إِلَى ما فيه ضررها، ولم تجد طعم غذالها الَّذِي فيه نفعها، فتعوضت عن سماع الآيات بسماع الأبيات، وعن تدبُّر معاني التنزيل، بسماع الأصوات.

قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهُرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم (٣).


(١) الحج: ٥.
(٢) الروم: ٥٠.
(٣) أخرجه أحمد في "الزهد" (ص: ١٢٨) وفي "فضائل الصحابة" (٧٧٥). وفي إسناده انقطاع بين سفيان وعثمان رضي الله عنه.

<<  <   >  >>